العلمانيون يطعنون في القرآن الكريم بتبنيهم نظرية “تاريخية النصوص”

الإسلام هو دين الفطرة هو الدين الحق، استطاع بالبراهين الواضحة والأدلة القاطعة أن يقاوم الباطل بشتى أنواعه ويدحض شبهه، هذا ما لم يدركه المستغربون من بني علمان، فاشتدت صولتهم وصولة أذنابهم من الذين يريدون أن يستأصلوا شأفة هذا الدين الحنيف عن المجتمعات المسلمة، فشمَّروا على ساعد الباطل، وتعاونوا وتحالفوا مع العدو في حربه على الإسلام من حيث أدركوا ذلك أم كانوا مغفلين، وأتوا في كل يوم بباطل جديد وهجوم شديد، وازدادت مع الأيام مخططاتهم ضد الحق وأهله، لأنهم رأوا في الإسلام مقاومةً متينةً ما كانوا يحسبون حسابها، فهجموا على الإسلام هجمةً شرسةً، وحاولوا النيل من عقائده وزلزلة كيانه في القلوب والصدور باختلاق الأكاذيب الشنيعة عليه، ومن جملة تلك الأباطيل التي حاكوها وصاروا ينعقون بها: زعمهم أن كتاب الله القرآن الكريم “كتاب تاريخاني أو تاريخي” خاطب عصراً محدداً فقط، ثم عفا عليه الزمن ولم يبق له في هذه الدنيا المعاصرة مفعول إجرائي.
مؤسس نظرية تاريخية النصوص
إن نظرية تاريخية النصوص مذهب اتخذه فلاسفة الغرب نظرة فلسفية ومعول هدم ونقض للنصوص الدينية بغية ردها وجحدها، ويكفي القارئ الكريم أن يعلم أن مؤسس هذه النظرية هو يهودي حاقد يدعى”سبينوزا”، كان -بحكم يهوديته وحقده الدفين- أعنف المهاجمين على الدين، فقد طبق المنهج العقلي على الكتاب المقدس نفسه، ووضع الأسس التي قامت عليها “مدرسة النقد التاريخي” التي ترى أنه يجب أن تدرس الكتب الدينية على النمط نفسه الذي تدرس به الأسانيد التاريخية، أي على أساس أنها تراث بشري وليست وحياً إلهيا وجب الخضوع والاذعان له.
العلمانيون وتكريس النظرية داخل المجتمع المغربي
يقوم العلمانيون في المغرب تقليدا لملاحدة الغرب وتأسيا بمتعلمني الشرق من خلال ما تنشره جرائدهم ومجلاتهم بالدعوة إلى تبني نظرية تاريخية النصوص، ولعل من أشرس وسائل الإعلام كيدا جريدة الأحداث المغربية التي ما فتئت تمرِّر نظريات معادية للإسلام داخل مجتمعنا، بغية إسقاط هيبة وقدسية القرآن من أعين المغاربة، مثال ذلك مقال نشرته في عددها 2795 بعنوان “النص بين القداسة والتاريخية” حاول مسوده التعتيم على القارئ -كعادته- بنقل بعض الأقوال الشاذة مغلفة بكثير من التدليس ليثبت بها أن القرآن ليس كلام الله، إنما ألقاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس بالمعنى، واعتمد في ذلك على بعض الأقوال الشاذة، متجاهلا الإجماع الحاصل على ذلك بين علماء الإسلام قاطبة.
فمما جاء في المقال المذكور: “..فنقرأ عند السيوطي مثلا بخصوص ألفاظ القرآن، أن هناك من يرى بأن: “جبريل إنما نزل بالمعاني خاصة، وأنه [أي النبي] علم تلك المعاني وعبّر عنها بلغة العرب، وتمسك قائل هذا بظاهر قوله تعالى: (نزل به الروح الأمين على قلبك)” (السيوطي: الإتقان في علوم القرآن)” اهـ.
وبالرجوع إلى الكتاب المذكور نجد أن السيوطي رحمه الله إنما ساق جميع الأقوال الواردة في الموضوع من باب الأمانة العلمية -كما جرت عليه عادة أهل العلم- سواء وافق القول الحق أم لا، غير أن المصطاد في الماء العكر أوهم القراء بأن النقل هو من كلام العلامة السيوطي، وهو ما ارتآه وتبناه، والأمر بخلاف ذلك تماما، وإليك كلام السيوطي رحمه الله، فبعد سوقه لكلام كثير من المفسرين قال: “قلت‏:‏ القرآن هو القسم الثاني والقسم الأول هو السنة، كما ورد أن جبريل كان ينزل بالسنة كما ينزل بالقرآن، ومن هنا جاز رواية السنة بالمعنى لأن جبريل أداه بالمعنى، ولم تجز القراءة -أي القرآن- بالمعنى لأن جبريل أداه باللفظ ولم يُبح له إيحاءه بالمعنى‏.
والسر في ذلك أن المقصود منه التعبد بلفظه والإعجاز به، فلا يقدر أحد أن يأتي بلفظ يقوم مقامه، وإن تحت كل حرف منه معاني لا يحاط بها كثرة، فلا يقدر أحد أن يأتي بدله بما يشتمل عليه والتخفيف على الأمة، حيث جعل المنزل إليهم على قسمين‏:‏ قسم يروونه بلفظه الموحى به وقسم يروونه بالمعنى‏.‏
ولو جعل كله مما يروى باللفظ لشق، أو بالمعنى لم يؤمن التبديل والتحريف فتأمل”‏. انتهى كلام السيوطي، وأترك للقارئ الكريم التعليق على تدليس هذا العلماني.
ثم قال مسوده: “..وطبعا في هذا المقام لا يمكن أن ننسى ذلك المجهود الذي قدمه المعتزلة وهو قضية “خلق القرآن”، ولكنه لم يستثمر فيما بعد إذ أهيل عليه التراب من طرف المنظومة الأرثوذوكسية؛ والتي سعت ولازالت إلى تكريس قداسة النصوص..”.
سبحان الله ما أقبح الغي واتباع الهوى بل ما أضره على صاحبه، يتكلم هذا الدعي عن المعتزلة ومذهبهم كما لو أنه مذهب سلف الأمة من الصحابة والتابعين، وما ذلك منه إلا تقليدا للمستشرقين العلمانيين الذين أحيوا بدعة الاعتزال ومجدوها في أطروحاتهم محاربة منهم لمنهج السلف الصالح، متجاهلا أن أهل السنة هم من تصدى للانحرافات التي روج لها المعتزلة وفندوها وأدحضوا شبههم، علما أن هذه الفتنة حدثت في القرن الثالث فأطفأ نارها الإمام الصالح، والناسك الزاهد أحمد بن حنبل بعلم وصبر واحتساب.
أما بدعة القول بـ”خلق القرآن” التي حاول مسود المقال إسباغ طابع العلمية عليها فقد كانت وصمة عار في جبين تاريخ المسلمين إذ سفك المعتزلة دماء الكثير من علماء الأمة متجاهلا موقف علماء الإسلام منها الواضح الجلي معتبرا إياهم من جملة المنظومة الأرثوذوكسية، مما يدل على أن صاحب المقال هو ومن على شاكلته يمثلون المنظومة البروتستنتية.
وإليك أخي القارئ مجموعة من أقوال علماء الأمة في هذه البدعة:
قال ابن عبد البر النمري المالكي رحمه الله وهو يذكر العلوم التي فرض الله على كل مسلم العلم بها: (وفي الاستعاذة بكلمات الله أبين دليل على أن كلام الله منه تبارك اسمه وصفة من صفاته ليس بمخلوق، لأنه محال أن يستعاذ بمخلوق، وعلى هذا جماعة أصل السنة والحمد لله..) جامع بيان العلم وفضله.
وقال: ( فالقرآن جميعه – حروفه ومعانيه – كلام الله منزلٌ غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، فهو المتكلم بالقرآن والتوراة والإنجيل وغير ذلك من كلامه، ليس ذلك مخلوقاً منفصلاً عنه، وهو سبحانه يتكلم بمشيئته وقدرته، وأنه لم يزل متكلماً متى شاء، وأنه يتكلم بحرف وصوت، وكلامه قائم بذاته) عقيدة الإمام ابن عبدالبر في التوحيد والإيمان.
قال الإمام الطحاوي عليه رحمة ربنا الباري: (وإن القرآنَ كلام الله، منه بَدَا بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، وصَدَّقهُ المؤمنون على ذلك حقاً، وأَيْقَنُوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمّه الله وعابه وأوعده سَقَر، حيث قال تعالى: “سَأُصْلِيهِ سَقَرَ”، فلمَّا أوعد الله بسقر لمن قال: “إِنْ هَـذَآ إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ”، عَلِمنا وأيقنّا أنه قول خالق البَشَر، ولا يشبه قول البشر) (العقيدة الطحاوية ص:21).
ورغم وضوح هذا وظهوره لكل ذي عينين فقد ضلّ كثير من المبتدعة عن الحق في هذه المسألة، واختلفوا فيها وتعددت أقوالهم (شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز).
وبالجملة فأهل السنة كلهم من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم من السلف والخلف متفقون على أن كلام الله غير مخلوق. (شرح الطحاوية).
هذا كلام أئمتنا وعلمائنا بخصوص هذه المسألة ومن جملتهم علماء المذهب المالكي الذي يتمسح بنوعلمان بالانتساب إليهم.
ثم إن المعتزلة الذي يثني عليهم صاحب المقال يكفرون مرتكب الكبيرة ويجعلونه خالدا مخلدا في نار جهنم، والفرق البسيط بينهم وبين الخوارج هو قولهم بالمنزلة بين المنزلتين، بمعنى أن مرتكب الكبيرة كافر مخلد في جهنم، غير أنه تجري عليه أحكام أهل القبلة في الدنيا، فهل يرضى العلمانيون فعلا عنهم أم هو منهج: “أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ”.
أهداف النظرية
إن أهم أهداف هذه النظرية المشؤومة التي خطها شيطان الاستشراق ضمن خطة مزورة متدثرة بالعلمية والموضوعية! هو الإبانة على أن القرآن أضحى قديماً مع الزمن، وأبلاه كَرُّ الليالي، وأخلَقَه مَرُّ العصور، حيث كان كتاباً تاريخياً خاطب كتلةً محدودةً من البشر في زمن محدود من التاريخ، وكان في مستطاعه في تلك الأزمنة تقديم حلول نافعة لتلك المجتمعات.
وأما بعد الذي حدث من ثورات عظيمة في معظم جوانب حياة الإنسان الفردية والاجتماعية والإدارية والسياسية والاقتصادية وغيرها، لم يبق القرآن قادراً على الإيفاء بتقديم حلول فاضلة صالحة للمجتمعات البشرية في جميع جوانب حياتها!
هذا هو ما يستهدفه أولئك الظالمون لأنفسهم وذويهم!
إذاً الهدف الأثيم لهذه الخطة غير الرشيدة هو إقصاء القرآن بدوره الفاعل عن جميع نواحي الحياة، ولا يخفى أن هدفهم أن يجعلوا رسالة الإسلام والقرآن عبارة عن أمور أخلاقية وجدانية، في دائرة ضيقة لا صلة لها بتوجيه الحياة العامة، وهذه الصورة الشوهاء المختلَقَة عن رسالة القرآن التي يمليها الاستعمار الغربي والتنصير العالمي على عملائه.
من هذا المنظور يمكن للقارئ الكريم أن يعلم المرجعية التي يعتمدها العلمانيون لفهم للنصوص الشرعية، وجدوى هجومهم الشرس على الإسلام وشعائره من حجاب وإقامة الحدود وغيرها..
وختاما نقول: لقد أدرك علماؤنا وسلفنا الصالح عليهم رحمة الله مغبة هذه النظرية المشؤومة وغيرها وذلك منذ زمن بعيد حين قال الإمام مالك إمام دار الهجرة رحمه الله: “‏أوكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم لجدله!”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *