_إذا أردنا تعريف العفة فيمكننا أن نقول ببساطة أنها الامتناع عن محارم الله قولا وعملا، و هي أنواع:
-عفة النفس.
-عفة الجوارح.
-عفة البطن.
ومن تجليات العفة ومظاهرها:
الحياء والقناعة وكسب الحلال وصون الكرامة وزجر النفس عن الحرام…
وقد سلك الإسلام في سبيل تحقيق العفة منهجا قويما يعتمد عدة أسس:
-الأساس العقدي: استشعار معية الله ومراقبته، والخوف من عذابه وعقابه، والطمع في رضاه ونعيمه، يحول دون اقتراف الفواحش ويكسب المرء الحياء المتمثل في حفظ الفرج وغظ البصر واجتناب التبرج والخلوة بغير المحارم والقناعة بالحلال.
-الأساس التشريعي: ومنها تحريم الزنا وما يؤدي إليه كالاختلاط المنهي عنه، والحث على الزواج، وعقوبات زجرية على مرتكبي الفواحش…
-الأساس الشعائري والمعاملاتي: إشباع الغريزة بالحلال وإخمادها بالطاعات والعبادات كالصوم وتجنب التبرج وإظهار المفاتن والتحلي بالآداب والقيم الإسلامية..
وقد جاء رمضان شهر الصيام والقيام والطاعات، لتأكيد معاني العفة وترسيخها على عدة مستويات.
أولها: أن رمضان اجتمعت فيه الأسس التي ذكرنا، حيث أن الإنسان يستحضر عظمة الله في هذا الشهر ويكون أقرب منه؛ اعتقادا أنه شهر الله وأن الشياطين تصفد والعمل يرفع، ولأنه شهر القرآن وليلة القدر.
ثانيها: لارتباط الشهر الفضيل بنظام للعقوبات لكل من أخل بحرمته أو تجاوز حدوده، فالأساس التشريعي الزجري حاضر لتحقيق العفة.
ثالثا: أجواء رمضان الشعائرية الإيمانية التعبدية تساعد كثيرا على ترسيخ العفة وتحقيقها في ذات الفرد، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى كون الصيام يمنع على المؤمن الطيبات ويمنعه من الحلال، فهذا منهج تربوي، يعني أن الامتناع عن المحرمات والمحظورات والخبائث آكد، والنهي فيه أغلظ وأشد.
لكن للأسف ابتلينا في زماننا، الذي غابت فيه شمس الشريعة، واختفى دور العالم العامل، وغاب دور المجتمع، بأناس لا يعرفون للعفة طريقا في رمضان ولا في غيره، فترى الكلام الساقط البذيء في نهار رمضان، وتستقبلك جحافل المتبرجات والسافرات أينما وليت وجهك، حتى إن قررت لزوم بيتك وإقفال بابك طالعك إعلام بلدك بقنواته وجرائده ومجلاته بالصور العارية والأفلام الخليعة والسهرات الماجنة.
بل تخصص لرمضان سهرات تسمى باسمه تجد فيها من التهتك والخلاعة ما لا تجدها في غيره، وفي كثير من المدن يعمد أصحاب المقاهي لتنظيم الحفلات الراقصة واستقدام المغنيين والمغنيات والسهر إلى قبيل الفجر احتفالا برمضان وابتهاجا بأجوائه.
فهلا اتقينا الله في أنفسنا، وهلا تحمل كل مسؤول مسؤوليته وكل راع ما استرعاه، فإن الخطب جلل والمصيبة أدهى وأمر، لأن ما يحرم في غير رمضان، تكون حرمته في رمضان أشد وعقوبته أعظم، وما يتحمله الفرد منفردا يتحمله المسؤول والراعي أضعافا مضاعفة، يحملون أوزارهم وأوزارا مع أوزارهم، والله المستعان.