امتحانات “البكالوريا” والآخرة…دروس وعبر د.أحمد اللويزة

تكتسي امتحانات (البكالوريا) أهمية بالغة وتحظى باهتمام كبير، من لدن التلاميذ والآباء والمدرسين والوزارة الوصية…، وتعلن حالة استنفار قصوى من مختلف المصالح التي تجد نفسها في ارتباط مباشر بهذه الحدث الوطني.

كل هذا الاهتمام مرتبط بنظرة الناس عموما والآباء وأبناؤهم خصوصا إلى الامتحان وأنه مرتبط بمسار دراسي حافل، يتوج بشهادة ترتبط بمستقبل الأبناء وبالآفاق الدراسية لما بعد البكالوريا، التي تحدد المستقبل المهني لأبناء المغاربة بل والأبناء في كل العالم. وإن هذا الاهتمام البالغ وما يرافقه من أحداث ووقائع وممارسات وتصورات يفرض على المتبصر المتفحص أن يلتقط منها إشارات ورسائل ودروسا وعبر هي أبلغ وأولى من الاهتمام الذي تحظى بهذه الامتحانات.

ولأن شهادة البكالوريا مرتبطة بامتحان سابق له أثر في معدل امتحان البكالوريا فإن الاهتمام والاستعداد يبدأ من هذه المرحلة، وما أن يلج التلميذ مستوى الثانية باكالوريا حتى يرتفع منسوب الهم والاهتمام، عند جل التلاميذ سواء كانوا من المجتهدين على قلتهم، أو كسالى وغير مبالين على كثرتهم، فكل همه واهتمامه الحصول على هذا الشهادة.

وهنا تبرز أول رسالة وعبرة وهي أن المسلم الذي يريد النجاح في آخرته فعليه أن يحمل همها منذ بداية التكليف وليس كما يتصوره كثير من السلمين -للأسف- أنهم غير معنيين بها حتى تمضي فترة الشباب أو المراهقة كما يقولون، وإن الاهتمام بها لا ينبغي أن يأخذ منهم زهرة شبابهم ويحول بينهم وبين التمتع بملذات الحياة في هذه الفترة العمرية المهمة، والتي هي في الحقيقة مربط الفرس وحجر الزاوية في مستقبل المسلم في الآخرة.

وكثير من المسلمين يؤخرون بل ويتوهمون أن العمل للأخرة حتى يكبروا وربما حتى يصلوا سن الشيخوخة، في حين لا تجد أحدا من التلاميذ يؤخر الاستعداد للامتحان حتى اللحظات الأخيرة؛ سواء كان مجدا معتمدا على نفسه، او نقالا معتمدا على الغش ووسائله المختلفة.

ثم إن هذا الاستعداد من طرف المجدين خصوصا يصاحبه الزهد والورع والتخلي عن كثير من ملذات الحياة إبان الاستعداد، وخاصة عند اقتراب موعد الامتحان، حيث يؤخرون كل مظاهر الراحة والاستجمام واللهو والمرح حتى تظهر النتيجة المرضية التي يطمحون إليها. فلا رغبة لهم في الأكل وصنوفه، ولا في سفر ومتعه، ولا في حفلات ونشاطها، ولا في مناسبات عائلية ودفئها، ولا في النوم ولذته، ولا في أغاني ولا أفلام ولا مواقع ولا ولا …. وهلم جرا.

كل ذلك مؤجل في سبيل تحقيق نتائج عالية ومراتبة متقدمة في نتائج امتحان دنيوي يتعامل معه التلاميذ بجذية بالغة ويضحون من أجله تضحية كبيرة. فليت الناس يدركون أنهم في حاجة إلى تضحية وجهد وزهد في ملذات الحياة من أجل الفوز في امتحان الآخرة حيث لا دورة استدراكية ولا تكرار السنة ولا استعطاف من أجل العودة إلى الدراسة. إنما هو فوز أبدي وجنة عرضها السماوات والأرض، فيها من النعيم الخالد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وإما خسران أبدي ونار فيها من العذاب الخالد ما لا يقدر عليه بشر. فكيف يحمل الناس كل هذا الهم من أجل شهادة دنيوية حتى وإن لم يحصل عليها فلن تكون نهاية العالم ولا انسداد الأفق للتلاميذ والطلبة، بل إن عدم النجاح في امتحان كهذا قد يكون خيرا لصاحبه، لكن عدم النجاح في الآخرة هو خسران مبين وهلاك عظيم.

ومن رسائل البكالوريا مما هو متعلق بالآباء وأولياء الأمور الذين تجدهم يحملون من الهم ربما أكثر مما يحمله أبناؤهم، فلربما خفقت نبضات قلوب بعضهم، وجف ريقهم وطار النوم عن أجفانهم خوفا من عدم نجاح أبنائهم، ومن أجل ذلك يسعون في توفير حصص الدعم ويسترخصون كل شيء ويقدمون كل شيء من أجلها، وتراهم على أبواب المدارس مرعوبين ينتظرون إطلالة أبنائهم وعلى محياهم ابتسامة التفوق والتمكن من الامتحان، ويرعبهم أن يروا عليهم عبوس الفشل والعجز.

كل هذا الهم والترقب من أجل تفوق فلذات أكبادهم في امتحانات دنيوية ومستقبل الحياة التي تجري بأقدار الله ولا يغير الحرص منها شيئا. هؤلاء الآباء أكثرهم ممن يفرط في مستقبل أبنائهم الأخروي ولا يهتمون بذلك إلا ناذرا إن لم يكن مطلقا عند كثير منهم للأسف.

ولو قام الآباء بما يلزمهم شرعا من التوجيه والتربية والعمل على استقامة أبنائهم والحرص عليهم من أجل فلاحهم في الآخرة ووقايتهم من عذاب الله امتثالا لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة) لكان خيرا لهم.

ولكن هم الدنيا سيطر على هم الآخرة وأزاحه من عقول وقلوب جل الآباء ولم يعد يسعدهم إلا نحاج أبنائهم في دراستهم وتفوقهم فيها ونيل المراتب الأولى في المدراس والمعاهد والحصول على وظائف دنيوية راقية، ضمانا للمستقبل كما يحلمون. وإن هذا لمن الخيانة للأبناء وسبب في شقاء الآباء سواء في الدنيا حين يتنكر كثير من الأبناء لجهود الآباء لتجردهم من تربية دينية تحمل الإبن على البر والإحسان، وشواهد الواقع أكثر من ان تحصى، وخسران في الاخرة حين يشكو الأبناء آباءهم إلى الله، لانهم لم يربوهم على امر الاخرة وهم مسؤولون عن ذلك، وحينها يكون الأبناء الذين ضحى الآباء من أجلهم في الدنيا ضحية هؤلاء الأبناء… ولو حمل الآباء ولو يسيرا من هم الدنيا للأخرة لصلح حال أبنائهم الدنيوي والأخروي وكان أبناؤهم لهم مصدر سعادة في الدنيا وفلاح في الاخرة.

هذه بعض الرسائل والرسائل جمة وهي من الأهمية بمكان ليت الآباء والأبناء يحملونها على محمل الجد وتجد منهم قلوبا واعية وإرادة صادقة. والله ولي التوفيق.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *