لمواجهة التحديات والتهديدات البيئية المتزايدة في عصرنا الحالي، تلجأ بعض الأنظمة والحكومات إلى سن قوانين رادعة وعقوبات صارمة، لكل من يتعرض للبيئة بأي نوع من الأذى، وتركز أنظمة أخرى على الجانب العلمي والتقني لمواجهة الأخطار البيئية المختلفة.
لكن رغم أهمية هذه المداخل فهي تبقى قاصرة على بلوغ الأهداف المرجوة، خاصة إذا تعلق الأمر بمجتمعات نامية كالمجتمع المغربي، حيث التشريعات والقوانين البيئية معطلة غير مفعلة، والبحث العلمي والتقني شبه منعدم.
ما نحتاجه مبدئياً لحماية بيئتنا هو صحوة الضمير، وفعل الرقابة الذاتية الجدية، والأمر الأساسي الكفيل بتحقيق هذا المبتغى هو الالتزام بتعاليم ديننا الإسلامي الخاتم، والذي من شموليته وكماله أنه ينظم علاقة الإنسان بخالقه، وينظم علاقته بالآخر، وينظم أيضا علاقته بالطبيعة المحيطة به، بكل ما فيها من كائنات وموجودات حية وغير حية. ولا شك في أن في أحكام الشريعة قوة رادعة تتفوق على قوة القوانين الوضعية.
وإذا تأملنا كتاب ربنا نجده يبرز الضوابط العامة التي تؤطر علاقة الإنسان بمحيطه البيئي، وتكفلت سنة نبينا صلى الله عليه وسلم بالتفصيل في الموضوع. فجاءت التوجيهات والمواقف النبوية محملة بمجموعة من القيم البيئية العلاجية منها والوقائية، التي ينبغي على المسلم أن يلتزم بها تجاه ما يحيط به من مكونات الطبيعة المختلفة. بالرغم من أن المشكلات البيئية في ذلك الوقت لم تكن معقدة بهذه الصورة التي عليها الآن.
فنجده صلى الله عليه وسلم يولي أهمية خاصة للمغروسات، روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة» .
وهذا أَبو الدرداء الصحابي الجليل قد جاءه قوم يطلبون العلم، فوجدوه يغرس غرسا فأقبل على غرسه، فقالوا: يا أبا الدرداء أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت مقبل على الدنيا، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من غرس غرسا أجرى الله له أجر من أكل منه، ناس أو طائر أو دابة حتى ييبس» .
انطلاقا من هذين الحديثين يتضح أن فعل الغرس لا يقصد به المنفعة التي تعود على الغارس فقط، بل إنه أمر شرعي منفعته عامة للناس في الدنيا، وأجره مدخر لفاعله يوم القيامة، ويؤكد هذا الأمر الحديث المشهور بحديث الفسيلة (النخلة الصغيرة)، والذي رواه البخاري عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها» ، وهذا الحديث العجيب دليل على أن الأجر الأخروي للغرس أعظم من منفعته الدنيوية، وأن ما علينا نحن هو الأخذ بأسباب الإعمار؛ حتى وإن كانت النتائج الدنيوية معدومة.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبع يجري للعبد أجرهن من بعد موته، وهو في قبره: من علم علما، أو كرى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا، أو ورث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موت» .
من بين هذه السبع التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم نلحظ بأن ثلاثة منها لها علاقة مباشرة بالبيئة، واثنين منها متعلقة بالماء. وهذا يبين القيمة التي أولاها الإسلام للمياه، من خلال الحث على العناية بها، والحفاظ على مصادرها.
وكثيراً ما نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ضرورة الاقتصاد في استعمال الماء، حتى وإن تعلق الأمر بشأن تعبدي كالوضوء والغسل، فهذا سعد بن أبي وقاص يتوضأ، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: «ما هذا السرف يا سعد؟» قال: أفي الوضوء سرف؟ قال: «نعم، وإن كنت على نهر جار».
وفي حديث آخر، جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء؟ فأراه ثلاثا ثلاثا، فقال له: «هذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء، وتعدى، وظلم» .
فإذا كان المسلم ملزما بالاقتصاد في الماء لأداء عبادة تقرباً إلى الله عز وجل، فإن الاعتدال في استعماله في الأمور الحياتية الأخرى هو ألزم وأوجب.
وفيما يخص نظافة البيئة، فقد وردت أحاديث عديدة كلها تحث على العناية بالنظافة الخاصة للمسلم، وكذا بالنظافة العامة لمحيطه البيئي، نذكر منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يبولن أحدكم في الجحر، وإذا نمتم فأطفئوا السراج، فإن الفأرة تأخذ الفتيلة فتحرق أهل البيت، وأوكئوا الأسقية، وخمروا الشراب، وغلقوا الأبواب بالليل» .
في هذا الحديث إشارة في مطلعه إلى البيئة العامة من خلال النهي عن البول في الجحر، إضافة إلى التركيز على سلامة البيئة المنزلية خاصة، والسبل الكفيلة بالمحافظة عليها في بقية الحديث.
وقد جعل الإسلام العناية بالطرقات وإزالة الأذى عنها من أفضل الأعمال والقربات، ومن أسباب دخول الجنات، لكون هذه الأفعال لا يقتصر نفعها على الفاعل فقط، بل يتعداه إلى المجتمع كافة.
فعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرضت علي أعمال أمتي، حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها أن الأذى يماط عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها: النخاعة في المسجد لا تدفن» .
في نهاية هذا الحديث تحذير من تلويث بيئة بيوت الله، فكما أن من نظفها وأحسن إليها مأجور، كذلك من لوثها أو أساء إليها مأزور ولا شك.
هذا هو نبينا صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، وهذا هو النموذج النبوي الذي قدمه لنا ولغيرنا، لكي يحتذى به في التعايش السلمي مع البيئة، ولأجل حياة كريمة وسليمة للفرد والجماعة.