معارك حول تطوان (1913م) ذ. إدريس كرم

في العدد النصف سنوي لمجلة questions diplomatiques et coloniales (يوليوز دجنبر 1913) نشر Armatt المقال المعنون أعلاه ضمن سلسلة مقالات له بنفس المجلة، الوارد عليها في يوليوز 1913.
ومما جاء فيه:
“في شهر يونيو الأخير بعدما توصل الإسبان بأول التعزيزات من شبه الجزيرة، ومليلية، باشروا مطاردة ثوار اجبالة المحاصِرين تطوان، نحن نتحدث هنا عن خروج يوم 17 يونيو 1913 الذي سمح لنا بإقامة مركز اللوزيين على الضفة اليسرى لمارتيل على بعد 7 كلم غرب المدينة.
هذه العملية كانت تمهيدا للسير نحو الفندق بتنسيق بين قوات الجنرال سلفستر وتسهيل بواسطة مناورات الأسطول على طول شاطئ أنجرة.
منذ شهرين لم يتوقف الدعم الموجه لإفريقيا الذي تتحدث عنه الصحف الإسبانية كل يوم، الجنرال ألفو يوجد تحت إمرته اليوم بشمال المغرب حوالي 60.000 رجل، وقد أعلن الجنرال لوكي وزير الحرب في مدريد يوم 24 يونيو 1913 بأن القوات الإسبانية ستُرفع هناك لغاية 80.000 رجل من أجل ضربة قوية لم تتحقق بعد ضد المغاربة.
اجبالة بدورهم توصلوا بحشد جديد قدم عندهم من اجبالة الجنوبية، والريف، ومنطقة الفندق، أنجرة، وادراس، بني اعروس، كما هددت حكومة الثورة المتواجدة في شفشاون بأن تبعث حركة يقف مقاتلوها أمام تقدم سلفستر تتكون من 1500 بندقية، وترسل لواد مرتيل قوة كبيرة في أواخر يونيو 1913 تتجاوز 5000 بندقية.
التفوق العددي الإسباني مؤكد يعطي الانطباع بالحصول على نتائج سريعة حاسمة، لكن بعد معارك قاسية ومتجددة تقريبا كل يوم لم يتحقق شيء من ذلك التطلع، ولو لاحتلال مضيق الفندق لصعوبة المنطقة.
ولأنه لا يمكن إخلاء مليلية من الجنود بإرسالهم لتطوان، خاصة وأن خط مراكز كرت وسلوان معرضة لهجمات الريفيين منذ احتلالها بمشقة منذ 1909، هناك عدد من المؤشرات تبين أن هذا التخوف ليس وهميا، أعداد القوات بين تطوان والعرائش صار بين 30.000 و40.000 رجل، وإن كان الرقم الأخير منازعا فيه فإن الأول مؤكد.
جميع نواحي سبتة والعرائش في حالة ثورة مسلحة جعلت عددا من القوات تجد صعوبة في التحرك من ثكناتها ومغادرتها لأن بها وحولها معمرين أجانب يخشى على سلامتهم في حالة عدم وجود قوات كافية لصد مهاجميهم المحتملين، فتبقى القوات كالمحاصرة إن لم تكن كذلك بالفعل.
سبتة، تطوان، العرائش، القصر، أزيلا، دون احتساب المراكز الأخرى الثابتة على طول خطوط التموين، في الديوانة على طريق سبتة العرائش القصر الخ؛ هذه الوضعية بدورها تضاعف من المخاطر.
الثابت أنه حتى خطوط الاتصال تفرض خفرا قويا دائما للقوافل، مما فرض تواجد قوات دائمة الجهوزية والاستعداد على الجبهة بلغت 15.000 جندي تقريبا.
بعدما أنشئ مركز اللوزيين، صار محتاجا للتموين، ومنذ ذلك الحين أضحى يخوض معارك يومية تقريبا من 12 إلى 15 يونيو 1913، بين اللوزيين وتطوان، أقواها كانت يوم 15 يونيو 1913.
بمجرد ما توصل الجنرال الفو بالإمدادات التي طلبها، تحرك متقدما للأمام، بقوات بلغت 5000 رجل من القوات الثلاث عبر طريق طنجة، كان الكلون متوفرا على ذخيرة وتموين لعدة أيام وذلك من أجل تثبيت مركز اللوزيين، ولتحقيق ذلك أقام مركزين آخرين متقدمين على واد بوصفيحة في أول ربوة كانت محتلة من قبل بني يدر تؤدي للفندق، لكن على بعد كلمترين من معسكر تطوان.
قبل احتلال اللوزيين اعترض طليعة القوات الإسبانية مجموعة قوية من سكان الجبال، حيث دارت بين الفريقين معركة حامية كان المغيرون فيها من المغاربة يتكاثرون بأعداد ضخمة طيلة النهار، مما أعاق تقدم الكولون وجعله يتحرك بصعوبة بالغة متوخيا أقصا درجات الحيطة والحذر.
حوالي منتصف النهار لم يفتأ الأعداء عن التزايد، وأمام الخسائر التي تكبدوها بدأوا يتراجعون.
قام الإسبان بهجوم قوي على المغاربة في واد بوصفيحة حيث كبدوهم خسائر فادحة، كما أن عددا من الإسبان أصبحوا خارج المعركة بسبب إصاباتهم، وقد كتب مراسل الطايم بأن المعركة حول اللوزيين كبدت الفريقين خسائر هامة، وأضاف بأن طبيعة الأرض مع الأسف حمت الأهالي من المدفعية والشاشات الإسبانية.
ولخص مراسلته بقوله: “إن هذه المعركة اعتبرت حربا مقدسة من قبل المغاربة ضد الإسبان والإسبان فقط”.
شهدت الأيام الموالية أيضا معارك أخرى في النواحي القريبة من اللوزيين مثل معركة يوم 19 يونيو التي خسر الإسبان فيها 20 قتيلا، فيهم أربعة ضباط، وأكثر من 60 جريحا.
يوم 23 يونيو نجاح آخر للإسبان كلفهم ثلاثة ضباط و30 جنديا قتيلا، وخمس ضباط و48 جنديا جريحا وبعض المختفين؛ كان قائد المغاربة في هذه المعركة الشريف ولد لحسن شخصيا، وقد قاتلوا باندفاع وحماس أحيانا وجها لوجه، وقد وجدها الجنرال ألفو فرصة لانتزاع مكان معسكر الحركة الموجود على مدخل الشاون تقريبا في مرمى مدافع مركز اللوزيين.
قضا الكولون الإسباني الليل في مكان المعركة، هجوم جديد من الأعداء في الغد حيث بدأوا يتكاثرون، وبعد معركة ضارية كلفت الإسبان حوالي 300 سجلوا خارج المعركة، جبالة عانوا بدورهم من ضراوة المعركة، وبدأ يسجل عليهم بعض العياء، والإنهاك في حيويتهم، ولم يعد المتطوعون القادمون من بعيد يفدون على الحركة بانتظام كما كان في السابق.
كما أن الإسبان بدورهم أنهكوا وأربكوا بارتفاع الخسائر من قتلى وجرحى مما دفعهم للعودة لمعسكرهم بتطوان.
الأيام الموالية بعض المستطلعين قاموا بتوجيه ركبهم لمسافة قريبة بعدما توزعوا لقسمين، الأول توجه لسامسا على بعد ثلاث كلمترات من المدينة لحماية التموين اليومي لمركز اللوزيين من المغيرين عليه، الثانية كونت من قوات أهلية نظامية وأربع فرق مشاة إسبان صعدوا لجبل درسة الذي يراقب تطوان من الشمال، وساروا لغاية بني سالن على بعد أربعة كلم من المدينة من أجل إخلاء طريق سبتة، وقد لاقوا عدة جماعات معادية ولكن عزم القوات الإسبانية على السير لتحقيق غايتها جعلت تلك الجماعات تتراجع من أمامها، وقد فقد الإسبان في هذا التحرك ضابطا قتيلا وجرح لهم جندي.
القوات عادت لمعسكرها بعدما دمرت عدة دواوير دون تسجيل حوادث جديدة.
الجنرال ألفو بذل جهدا لإعطاء بعض الراحة للقوات بعد العمليات الأخيرة، وقد أعلن عن القيام ببعض عمليات الغزو لاحقا، كاحتمال غزو سوق لخميس في أعالي مرتيل، على بعد 12 كلم شمال مركز اللوزيين.
بقي الفندق هدفا رئيسيا لاحتلاله بأسرع ما يمكن، لكن الأوضاع الغير المستقرة في تطوان أبقت القوات بها في حالة استنفار قصوى، عدد من المدفعيين وزعوا بواسطة السفن على الساحل بطول عشرين كلم من خليج طنجة لغاية جنوب ديوانة تطوان.
لم تحصل النتيجة المتوخاة من ذلك الانتشار بسبب مغادرة السكان دواويرهم التي بقيت خالية بعدما علموا بالعمليات البحرية المسخرة ضدهم.
في خلاصة في فاتح يليوز 1913 الإسبان تمركزوا في تطوان وتمسكو بالمركز المتقدم في اللوزيين لم تحدث أية عمليات خارج مدى المفعية المنصوبة في مكان تموقع القوات، انعدام الأمن منع وصول التموين المحلي للمدينة فلم يعد يوجد شيء في سوق تطوان لا خشب ولا فحم ولا خضر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *