تعريف بكتاب ومؤلِّفه مقدمة الرسالة لابن أبي زيد القيرواني المالكي رحمه الله

ألف علماء السنة قديما وحديثا مؤلفات توضح عقيدة أهل السنة والحديث، منها ما هو مختصر، ومنها ما هو مطول، وكان من بين هذه المختصرات مقدمة الرسالة للإمام ابن أبي زيد القيرواني المالكي المولود سنة 310هـ، المتوفى سنة 386هـ على الصحيح عن 76 عاما رحمه الله تعالى.
قال عنه الإمام الذهبي رحمه: “الإمام العلامة القدوة الفقيه، عالم أهل المغرب، أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني المالكي، ويقال له: مالك الصغير، وكان أحد من برَّز في العلم والعمل.
..وكان مع عظمته في العلم والعمل ذا برٍّ وإيثار وإنفاق على الطلبة وإحسان.
..وكان رحمه الله على طريقة السلف في الأصول لا يدري الكلام ولا يتأول فنسأل الله التوفيق” السير 17/10.
وهذه “الرسالة” جمع فيها الإمام رحمه الله بين الأصول والفروع وهذا الصنيع نادر في فعل المؤلفين وهو حسن، يجعل المشتغل في فقه العبادات والمعاملات على علم بأمر العقيدة والتوحيد.
وقد كانت أولَ مؤلفاته رحمه اله حتى قالوا: “هي باكورة السعد، وزبدة المذهب”، وقد كتبها استجابة لرغبة بلديه، مؤدب الصبية، ومعلمهم القرآن الكريم: أبي محفوظ محرز بن خلف البكري التونسي المالكي المتوفى 413هـ.
وقيل: بل إن الذي طلب منه تأليفها هو السبائي: إبراهيم بن محمد، والله أعلم.
وكيفما كان الحال فإن مقدمة رسالته على وجازتها وقلة ألفاظها فهي تبين بوضوح المعتقد السليم المطابق للفطرة المبني على نصوص الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم في بيان حقيقة الإيمان وأركانه الستة وتقرير توحيد الله سبحانه في أسمائه وصفاته، كالاستواء وإثباتها على حقيقتها وتفويض كيفيتها إثباتا من غير تفويض للحقيقة، ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل فرحم الله هذا الحبر رحمة واسعة آمين.
قال الشيخ عبد الله كنون رحمه الله عن هذه المقدمة: “وهي عقيدة سلفية خالية من التأويل الذي يجمح إليه الأشاعرة” النبوغ المغربي 1/276.
ولأجل ذلك اختارها السلطان سيدي محمد بن عبد الله بن إسماعيل الحسيني العلوي المتوفى سنة 1204هـ كمقدمة لكتابه “طبق الأرطاب فيما اقتطفناه من مساند الأئمة وكتب مشاهير المالكية والحطاب” من منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية سنة 1420هـ/1999م.
حيث قال المحقق الدكتور عبد الله بن إدريس بن أبي بكر ميغا ص:156-157: “لما كان الإيمان الصادق الخالي من أي التواء لا يحتاج إلى مقدمات كلامية، أو محاورات فلسفية أختار(1) (أي السلطان) عقيدة الشيخ ابن أبي زيد القيرواني التي ابتدأ بها رسالته لأنها عقيدة سنية سلفية، وليجنب بها القارئ مشاكل المتكلمين ومزالق بعض الفلاسفة”.
وقال الدكتور إبراهيم التهامي في كتابه جهود علماء المغرب في الدفاع عن عقيدة أهل السنة: “وكانت طريقته (أي: ابن أبي زيد) في العقائد هي طريقة السلف..، وبسبب عقيدته السلفية رُمي بالتشبيه كما يقول الإمام المقرّي في أزهار الرياض..” ص:135، وانظر الصفحات بعدها لبيان براءة الإمام مما رمي به، وانظر انتصار الحافظ ابن عبد البر له في الفواكه الدواني 1/46، وكذا مجموع الفتاوي لشيخ الإسلام 5/182 حيث قال: “ولم يرد على ابن أبي زيد في قوله: (إن الله مستو على عرشه بذاته) إلا من كان من أتباع الجهمية النفاة، فزعم أن ما قاله ابن أبي زيد وأمثاله مخالف للعقل”، وقال: “إنهم لم يردوا عليه قوله لكونه مخالفا للكتاب والسنة ولكن لكونه مخالفا للعقل”!
وقد نظم هذه المقدمة الشيخ أحمد بن مشرف الأحسائي المالكي المتوفى سنة 1298هـ رحمه الله ومما قال فيها:
واترك ما أحدثه المحدثون فكم ضلالة تبعث والدين قد هجرا؟
إن الهدى ما هدى الهادي إليه وما به الكتاب كتاب الله قد أمرا
فلا مراء وما في الدين من جدل وهل يجادل إلا كل من كفرا
فهاك في مذهب الأسلاف قافية نظما بديعا وجيز اللفظ مختصرا
يحوي مهمات باب في العقيدة من رسالة ابن أبي زيد الذي اشتهرا
ولهذه المقدمة شروحات كثيرة إلا أن جلَّ الشروح المطبوعة كشرح زروق، والعدوي، وابن ناجي، وابن غنيم، وغيرهم رحمة الله عليهم خالفت ما كان عليه الإمام ابن أبي زيد رحمه الله من السير على طريقة السلف الصالح من نبذ الكلام والتأويل مع أن طريقة السلف هي الأعلم والأسلم والأحكم.
هذا باستثناء شرح الإمام القاضي أبي محمد عبد الوهاب البغدادي المتوفى سنة 432هـ فهو في الجملة على طريقة السلف إلا ما كان من نزوع خفيف لمذهب الخلف في نحو مسألة الكسب، واستخدام طريقة المتكلمين واصطلاحاتهم أحيانا.
وهذا الأخير قيل هو أول شرح للمقدمة وقد بيعت أول نسخة منه بمائة مثقال ذهبا.
وقيل أول شروحها لتلميذه: أبي بكر محمد بن موهب المقبري المتوفى سنة 406هـ رحمه الله، وهو شرح أثري قرر فيه صاحبه عقيدة السلف كما في الصواعق المرسلة لابن القيم 2/258، إلا أن هذا الشرح قد فقد والعلم عند الله.
وقد نقل عن هذين الشرحين الإمام ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية.
ومن الشروحات المعاصرة السنية لهذه المقدمة شرح “قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني” للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد البدر حفظه الله.
وللتنبيه فإن هذه المقدمة قد نشرت مفردة باسم “العقيدة الإسلامية التي ينشأ عليها الصغار” باعتناء: عبد الفتاح أبو غدة.
إلا أن هذا المعتني رحمه الله وغفر له “قد تناولها بقلم غير قلم ابن أبي زيد، وبعقيدة تخالف عقيدته، فوظف التحريف بما سولت له نفسه في نص هذه العقيدة ومعناها (2) ففتح فيها ثلم، وغشاها من عقيدة التفويض والتحريف ما غشَّى، تفريطا في الحق وهو بين يديه، وتعديا على الخلق وهو بين أيديهم، فصار واجبا على من علم: كشف تلك الدسائس، ودفع هذا التعدي البائس، نصرة لعقيدة أهل السنة وأهلها وحماية لعقائدهم من دخولات المخالفين لها وليحذر المسلمون من تسليم أولادهم لمن يتمسح بمعتقدهم وحقيقته استدراجهم إلى فاسد مشربه، وفتح باب الأهواء والمشاقة في صفوفهم، نعوذ بالله من الهوى وأهله”.
وبيان ذلك والكشف عنه انظره في “عقيدة السلف: مقدمة ابن أبي زيد القيرواني لكتابه الرسالة” للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد.
والهن الهادي إلى سواء السبيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- كما جعلها رحمه الله مقدمة كتابه “الفتوحات الإلهية الكبرى في أحاديث خير البرية” للغرض نفسه كما صرح هو نفسه بذلك ص:3 حيث قال: “هذا الذي حملني على الاقتصار عليها وعدم الالتفات إلى غيرها”.
2- وإن كان قد تورع في مقدمة الطبع فذكر أنه سيزيد ألفاظا!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *