توسيع صلاحيات “هيئة الترفيه” والتضييق على “هيئة الأمر بالعروف والنهي عن المنكر” يحدد التوجه الجديد للعربية السعودية عبد الله مخلص

من الأمور التي تجلي للراصد والمتابع التوجهَ الجديد للمملكة العربية السعودية التضييق الكبير على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مقابل فتح المجال واسعا أمام الهيئة العامة للترفيه.

فقد جاء قرار إنشاء هيئة الترفيه تماشيا مع إعلان المملكة لرؤيتها المستقبلية 2030، ولما يمثله قطاع الترفيه -وفق التوجه الجديد للمملكة- من أهميّة كبرى في تنمية الاقتصاد الوطني السعودي.

حيث دشن ولي ولي العهد السعودي حينها، وولي العهد الحالي محمد بن سلمان في 25 أبريل 2016 هيئة الترفيه السعودية في نفس يوم تدشينه لرؤية السعودية 2030، بهدف تحقيق رفاهية المواطنين لتزيد إنتاجيتهم ويرتفع بذلك مباشرة الناتج الوطني السعودية، وفق ما أكده مسؤولو الهيئة.

فكما للإمارات “وزارة السعادة” فللسعودية اليوم “هيئة الترفيه” التي يعين رئيسها بأمر ملكي، ويناط بها افتتاح قاعات السينما لما تبعثه -وفق الساهرين والمدافعين عن الهيئة الجديدة- من بهجة، والمسرح لما يبعثه من سعادة، والمهرجانات الغنائية لما تحدثه من فرح وانفتاح وتجديد للنشاط…

وإذا كان بعض العلماء والمفكرين السعوديين قد رفضوا قرارات هيئة الترفيه، وخرجوا بمجموعة من التصريحات أودت ببعضهم إلى غياهب السجود، فإن التيار العلماني بالسعودية قد طار فرحا بقرارات الهيئة وكتبت إحدى المنتميات إليه «المعارضون للترفيه يريدوا باختصار قلب حياتنا مثل حياة داعش (تنظيم الدولة الإسلامية)… غلو في غلو حتى تموت السعادة في قلوبهم».

فالسعودية الآن لا تقتصر على التمكين للتيار الليبرالي فقط بل تعمل على التضييق وبشكل واسع على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكل العلماء والمفكرين الذي يرفضون المشروع التغريبي الذي ينزله ولي العهد الشاب.

فبعد مسلسلات من التضييق على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومنعها مؤخرا من ملاحقة المشتبه بهم، أو القيام بعمليات اعتقال، سيصوت مجلس الشورى على مقترح ضم الهيئة لوزارة الشؤون الإسلامية، وهو ما سيحد بشكل كبير من سلطاتها.

فالهيئة التي أنشئت في 1940 وكان من ضمن صلاحياتها “إنفاذ الحظر على الخمر والموسيقى واختلاط الرجال بالنساء ممن لا تربطهم بهن صلة قرابة، وإغلاق المحلات التجارية أثناء الصلاة، وتطبيق قواعد صارمة على التزام النساء بالزي المحتشم” وغير ذلك، لم يعد مقبولا بها في ظل هيئة الترفيه التي تحيى بالاختلاط، وتضمن بقاءها بالموسيقى والترفيه، وتطمح لتوسيع وتكثيف أنشطتها عبر مهرجانات، جسدت الاحتفالات الأخيرة لليوم الوطني بمملكة آل سعود نموذجا حيا لما تستهدف السلطة السياسية تطبيعه داخل المجتمع المحافظ.

فالمملكة العربية السعودية تعيش اليوم مرحلة مفصلية من تاريخها، فالتوجه الجديد للسلطة السياسية واضح المعالم محدد الأهداف، ويبقى الدور على السلطة العلمية في تحمل مسؤوليتها الشرعية والتاريخية في بيان الحق والدفاع عن مرجعية الإسلام في مهبط الوحي، ومقاومة مشاريع العلمنة والتغريب، والثبات على المبدأ والحق في زمن التمحيص والابتلاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *