يبدو أنّ بلاد الديموقراطية والحرّية تعاني من مشكلة خطيرة عندما يأتي الأمر إلى معدّلات التحرش الجنسي والاغتصاب. على الرغم من ظهور عصر التنوير وحقوق المرأة ومساواتها بالرجل على النمط الغربي، إلا أنّ النظرة الجنسية للمرأة ما تزال قائمة حتّى في أكثر البلدان تقدمًا وتطورًا في العالم.
في هذا التقرير نسلّط الضوء على إحصائيات موثوقة صادرة عن مراكز بحثية وهيئات غربية متعددة عن معدّلات التحرش الجنسي والاغتصاب في الغرب. ليس الغرض من هذه الإحصائيات القول بعدم وجود حالات شبيهة في شرقنا، إلّا أنّ الفارق بين النسبة والدوافع هي بين السماء والأرض. ولنبيّن أنّ أرض الحضارة والفكر والتنوير المزعومة ما تزال تعاني من مشكلة في قسمها السفلي.
الولايات المتّحدة
وفق إحصائيات 1998، يتم الاعتداء على شخص ما جنسيًا في الولايات المتّحدة الأمريكية كلّ 98 ثانية. وهناك كمتوسّط حوالي 320000 ضحية للاعتداءات الجنسية أو التحرّش كل سنة في الولايات المتحدة. 54% من هؤلاء هم بين عمر 18-34 سنة. و15% منهم بين الثانية والسابعة عشرة من العمر. 1 من بين كلّ 3 نساء يتعرّضنْ للتحرّش مرّة واحدة على الأقل في عملهن.
وصولًا إلى إحصائيات 2015، 20% من جميع نساء أمريكا تعرّضنْ للاغتصاب، يبلغ تعدادهن حوالي الـ32.2 مليون امرأة، وهو عددٌ أكبر من عدد سكّان السعودية، وهو ما يعني أنّ خُمس نساء أمريكا مغتصبات. الفتيات بين عمر 16-19 عامًا معرّضات 4 مرات أكثر للاعتداءات الجنسية المختلفة. تجدر الإشارة إلى أنّ 83% من حالات الاغتصاب في الولايات المتّحدة لا يتم الإبلاغ عنها إلى الشرطة.
أمّا عن التحرّش الجنسي، فقد تعرّضت 88% من الأمريكيات إلى التحرّش الجنسي مرّة واحدة على الأقل في حياتهن. 25% من هذه الحالات كانت على الأقل من قبل زميل في العمل.
على الجانب الاقتصادي، تعويضات ودعم المغتصبات من طرف الولايات المتّحدة تصل إلى 150 ألف دولار. كما أنّ الاغتصاب يكلّف الولايات المتّحدة أكثر من أي جريمة أخرى في البلاد. حيث تدفع الولايات المتّحدة 127 مليار دولار سنويًا من ميزانيتها لأجل برامج دعم صحّية ونفسية للضحايا وأمورٍ أخرى متعلّقة بتلك الجرائم. بينما تدفع 93 مليار دولار سنويًا للاعتداءات العامّة و71 مليار دولار فقط لجرائم القتل سنويًا.
الاعتداءات الجنسية لم تقف عند النساء، بل حتّى إنّ 2% من جميع رجال أمريكا تعرّضوا للاغتصاب. وهو ما يقدّر بحوالي 3 مليون رجل أمريكي. وعلى مدى حياة الفرد، يتعرّض 43.9% من نساء أمريكا و23.4% من رجالها إلى أشكالٍ أخرى من الاعتداءات الجنسية خلال حياتهم.
القاصرون يتعرّضون أيضًا للاعتداءات والتحرّشات الجنسية في الولايات المتّحدة. 25% من جميع فتيات الولايات المتّحدة و15% من صبيانها يتعرّضون للاعتداءات الجنسية قبل بلوغهم الثامنة عشرة من العمر. 34% من هؤلاء المُتحرّشن بالأطفال هم من ضمن نطاق العائلة نفسها.
أوروبا
يبدو أنّ النشاط يتملّك القارّة العجوز عندما يصل الأمر إلى التحرّشات الجنسية بكافّة أنواعها. السويد مثلًا-جنّة الله على الأرض كما يصفها البعض-هي الدولة الأوروبية التي يتعرّض نساؤها لأكثر التحرّشات الجنسية في كامل أوروبا بنسبة 81%. في 2012، كانت السويد صاحبة لقب أكبر معدّل اغتصاب في العالم بأسره. (66.5 حالة في كل 100000 نسمة). لم يكن هناك لاجئون عرب آنذاك لتحميلهم مسؤولية الاحتباس الحراري.
الدنمارك تلي السويد في نسبة المضايقات الجنسية التي يتعرّض لها نساء القارّة. 80% من نساء الدنمارك تعرّضنْ للتحرش أو المضايقات الجنسية مرّة واحدة على الأقل في حياتهن، وهو معدلٌ يفوق ذاك الموجود في الهند أو باكستان (70% في الهند و50% في باكستان). على نفس المنوال تأتي فرنسا (75%) وهولندا (73%) ثمّ فنلندا (71%) وبريطانيا (68%). أمّا متوسّط معدّل المضايقات الجنسية والتحرّش العام في القارّة فهو 55%.
أمّا عندما يأتي الأمر إلى الاعتداءات الجنسية الجسدية، فالأرقام ما تزال مرتفعة مقارنةً بغيرها: 52% من نساء الدنمارك، 48% من نساء فنلندا و46% من نساء السويد تعرّضنْ لاعتداء جنسي مباشر على الأقل مرّة واحدة في حياتهنْ. متوسّط الاعتداءات الجنسية الجسدية في القارّة هو 33%.
التحرّش بالقاصرين حدث ولا حرج: 51% من فتيات فنلندا، 48% من إستونيا، 44% من فرنسا و43% من لوكسمبرغ تعرّضنْ لاعتداءات جنسية قَبل أن يبلغوا الخامسة عشرة من العمر من قِبل بالغين.
معدّل الاغتصاب في ألمانيا البالغ 10% من عدد نسائها لا يبدو أنّه تأثّر بموجات المهاجرين العرب إليها. الزيادة منذ قدوم المهاجرين انتهاءً بتوقّف عمليات الهجرة إلى ألمانيا لا يتخطّى الـ0.5%، مما يبطل أي علاقة بين المهاجرين ومعدّلات الاغتصاب:
كندا
الدولة الشمالية الحاضنة للمهاجرين تعاني هي الأخرى من معدّلات تحرّش واغتصاب مرتفعة نسبيًا. 37% من نساء كندا و5% من رجالها بلّغوا عن حالات اعتداء جنسية عليهم في سنة 2014 وحدها، يبلغ تعداد البلاغات الصادرة عن النساء في نفس العام 553 ألفًا. 71% من هؤلاء هم بين الـ15 والـ24 من العمر. يقدّر أنّ 6% فقط من حالات الاعتداء يتم الإبلاغ عنها إلى الشرطة.
الاعتداءات الجنسية لا تقف عند “المدنيين” في كندا. 15% من نساء الجيش الكندي تعرّضنْ لمرّة واحدة على الأقل لاعتداء أو تحرّش جنسي أثناء فترة خدمتهن.
لا يبدو أنّ الطريق ذاهبٌ إلى تحسّن في كندا. معدّلات التحرش والاعتداءات الجنسية ما تزال هي نفسها منذ العام 1999 وصولًا إلى العام 2015. وهو النوع الوحيد من الجرائم الذي لا يتقلّص معدّله في كندا.
أستراليا
الدولة البعيدة لديها نسب ملحوظة من تلك المعدّلات أيضًا. وفقًا لإحصائية مفوضية حقوق الإنسان الأسترالية الصادرة عام 2008 فإنّ 22% من النساء و5% من الرجال تعرّضوا لمضايقات جنسية لمرّة واحدة على الأقل في عملهم.
أمّا عن المعدّل العام، فإنّ واحدة من بين كلّ 3 نساء أستراليات تعرّضنْ للتحرّش مرّة واحدة على الأقل في حياتهن. 65% من هذه الحالات كانت أثناء عملهن. تقريبًا نصف الذين قالوا أنّهم تعرّضوا للتحرّش في آخر 5 سنوات قالوا أيضًا أنهم رأوا آخرين يتعرّضون للتحرّش في نفس مكان العمل.
وفق إحصائيات 2003، فيوجد 91.6 حالات اغتصاب من كل 100 ألف نسمة في أستراليا، وهي واحدة من أعلى المعدّلات في العالم آنذاك. لم تتفوقّ عليها حينها سوى جنوب إفريقيا بمعدّل 113.2 حالة من كل 100 ألف نسمة.
المشكلة الحقيقية في أستراليا هي أنّ معدل الإبلاغ عن حالات التحرّش والاعتداءات الجنسية في تناقصٍ مستمر بدلًا من أن يكون في تزايد: 32% من الأشخاص الذين تعرّضوا للمضايقات الجنسية في العمل عام 2003 قاموا بالإبلاغ عنها فقط، بينما تراجع هذا المعدّل إلى 16% في 2008. هذا يعني أنّ 84% من هذه الحالات لا يتم الإبلاغ عنها.
الخلاصة
تعاني الكثير من البلاد الغربية من مشاكل تحرّش واغتصاب تفوق تلك الموجودة في كثيرٍ من بلاد الإسلام. صحيحٌ أنّ بعض الدول مثل باكستان ومصر قد تكون استثناءً من القاعدة، إلّا أنّ الغالبية العظمى من تلك الأراضي لا تعاني من نفس المشاكل.
عربيًا، يتحجج الكثير من الناس أنّ سبب التحرّش عندنا هو الكبت والفصل بين الجنسين وعدم الانفتاح على الآخر بالإضافة إلى بعض الموروثات الدينية. لكننا نتساءل عن مدى صمود هذه الحجج أمام الإحصائيات الغربية السابق ذكرها: هل لديهم كبت في أمريكا والسويد؟ هل لديهم عدم انفتاح وانغلاق بين الجنسين في الدنمارك وكندا؟ لا يبدو أنّ أيٍّ من هذه الحجج منطقي بالنسبة للأوضاع في بلادنا.