علاقة تقوى الله والعمل الصالح بالرزق والحياة الطيبة في الدنيا

 

 

قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/97.

والمقصود بالحياة الطيبة التي يحياها المؤمن في دنياه: حياة قلبه بالإيمان، وانشراح صدره، وسعادته بإيمانه بربه.

كما أنها تشمل الرزق الطيب الواسع الحلال، ولكن سعة الرزق ليست شرطا لحصول الحياة الطيبة، فقد يكون العبد فقيرا ويرزقه الله القناعة والرضى بما هو فيه، ويبارك له في القليل، فيكون قد أحياه الله حياة طيبة وانتفع برزقه أكثر من انتفاع كثير من الأغنياء بأموالهم.

وتقوى الله -على سبيل العموم- سبب من أسباب الرزق.

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:” هَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِمَنْ عَمِلَ صَالِحًا، وَهُوَ الْعَمَلُ المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، مِنْ بَنِي آدَمَ، وَقَلْبُهُ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِه بِأَنْ يُحْيِيَهُ اللَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً فِي الدُّنْيَا، وَأَنْ يَجْزِيَهُ بِأَحْسَنِ مَا عَمِلَهُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ.

وَالْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ تَشْمَلُ وُجُوهَ الرَّاحَةِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ فَسَّرُوهَا بِالرِّزْقِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ.

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ فَسَّرَهَا بِالْقَنَاعَةِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ.. وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ تَشْمَلُ هَذَا كُلَّهُ” انتهى من (تفسير ابن كثير4/516).

وهذه الآية الكريمة علاقتها بالرزق واضحة، وهي أن تقوى الله، والعمل الصالح: سبب في حصول نعيم الدنيا والآخرة، ومنه الرزق الطيب الواسع، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) الطلاق/2-3.

قَالَ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الصَّدَفِيُّ: “وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ، فَيَقِفُ عِنْدَ حُدُودِهِ، وَيَجْتَنِبُ مَعَاصِيَهُ: يُخْرِجْهُ مِنَ الْحَرَامِ إِلَى الْحَلَالِ، وَمِنَ الضِّيقِ إِلَى السَّعَةِ، وَمِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ.

وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ: مِنْ حَيْثُ لَا يَرْجُو.

وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: “هُوَ الْبَرَكَةُ فِي الرِّزْقِ”. ” تفسير القرطبي ” (18/ 160).

وقال السعدي رحمه الله:” أي: يسوق الله الرزق للمتقي، من وجه لا يحتسبه، ولا يشعر به ” (التفسير ص:870).

وهذا كقوله تعالى عن أهل الكتاب: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) المائدة/66.

وكقوله عز وجل: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) الأعراف/96.

والمسلم بتمام توكله ويقينه، وحسن ظنه بالله: يسعد في الدارين، ويكون له فيهما الحياة الطيبة، فيرزق الرزق الواسع، ويهنأ عيشه، وتطيب أيامه، وذلك أن التوكل واليقين وحسن الظن بالله، من أهم أعمال القلوب التي تطهر القلب، وتملؤه إيمانا.

فإذا صلح القلب صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد الجسد كله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) رواه البخاري (52)، ومسلم (1599).

فيأخذ المسلم بالأسباب التي يحصل بها الرزق، ويكون معتمدا على الله واثقا بأن الله سيأتيه برزقه، فإنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها، كما تستوفي أجلها.

فيورثه ذلك مزيدا من الطمأنينة والقناعة والرضى، ويبذل ماله في مرضات الله تعالى، غير خائف من الفقر ولا من قلة الرزق، بل يوقن أن ذلك من أسباب الرزق، كما قال الله تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) إبراهيم/7.

وكما قال الله تعالى في الحديث القدسي: (يَا ابْنَ آدَمَ، أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ) رواه البخاري (4684)، ومسلم (993).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *