قال ربيعة شيخ مالك: “من ألبس امرأته خرَزة لكي تحبل أو لكي لا تحبل، فهذا من الرأي المسخوط”.
من الأمور التي عمت بها البلوى بين العباد، وكثرت منها الشكوى، وكانت سبباً لوقوع البعض في الذنب الأكبر والخطيئة التي لا تغتفر، التعلق بالتمائم والعزائم والأحجبة، والاعتماد عليها في صرف الضر، وجلب النفع، ودفع البلاء قبل نزوله، بتمائم وتعاويذ شركية، وطلاسم ورقى أعجمية، مخالفة لما أرشدنا إليه سيد البرية.
لقد نهى الشارع الحكيم وحذر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من تعليق التمائم والعزائم، سيما قبل نزول البلاء، لصرف العين، واتقاء شر الهوام وما شابه ذلك، وأمر بالتعوذ بآي القرآن والآثار العظام التي خرجت من في حبيب الرحمن، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
تعريف التمائم
التمائم جمع تميمة، وهي كل ما يعلق على جسم إنسان أو حيوان أو على وسائل النقل من كتاب “حجَاب”، أو حديدة، أو خرزة، أو خيط، أو ودعة، أو قلادة، أو صفيحة أو ما شابه ذلك، قبل وبعد نزول البلاء، لدفع الضر أو جلب النفع.
قال أبو السعادات: “التمائم جمع تميمة، وهي خرزات كانت العرب في جاهليتها تعلقها على أولادهم، يتقون بها العين، في زعمهم، فأبطلها الإسلام”.
وقال المنذري معرفاً التميمة: “خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الآفات”.
وقال الخطابي: “التمائم جمع تميمة، وهي ما يعلق بأعناق الصبيان من خرزات وعظام لدفع العين، وهذا منهي عنه”.
الأدلة على تحريم تعليق التمائم
عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه: “أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فأرسل رسولاً لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتَر أو قلادة إلا قطعت”. (متفق عليه).
وعن عقبة بن عامر مرفوعاً: “من تعلق تميمة فلا أتمَّ الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له” وفي رواية: “من تعلق تميمة فقد أشرك” (رواه الإمام أحمد، ورواه أيضاً أبو يعلى والحاكم وقال: صحيح الإسناد وأقره الذهبي).
وعن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط، فبايع تسعة وأمسك عن واحد، فقالوا يا رسول الله، بايعت تسعة وأمسكت عن هذا؟ فقال: “إن عليه تميمة، فأدخل يده فقطعها، فبايعه وقال: من تعلق تميمة فقد أشرك” (رواه أحمد والحاكم).
وعن عمران بن الحصين رضي الله عنهما: “أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صفر (نحاس)، فقال: ما هذا؟ قال: من الواهنة؛ فقال: انزعها، فإنها لا تزيدك إلا وهناً، فإنك لو متَّ وهي عليك ما أفلحت أبداً”. (المسند)
قال أبو السعادات: “الواهنة”: هي عرق يأخذ في المنكب وفي اليد كلها، فيرقى منها، وقيل هو مرض يأخذ في العضد، وهي تأخذ الرجال دون النساء، وإنما نهى عنها لأنه اتخذها على أنها تعصمه من الألم.
وروى ابن أبي حاتم قال: “دخل حذيفة على مريض، فرأى في عضده سيراً، فقطعه أو نزعه، ثم قال: “وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ باللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ”.
وفي رواية قال حذيفة له: “لو مت وعليك هذا الخيط ما صليتُ عليك”.
قال البغوي في شرح السنة: (تأول مالك أمره عليه الصلاة والسلام بقطع القلائد على أنه من أجل العين، وذلك أنهم كانوا يشدون تلك الأوتار والتمائم، ويعلقون عليها العوذ، يظنون أنها تعصمهم من الآفات، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عنها، وأعلمهم أنها لا ترد من أمر الله شيئاً).
قال أبو عبيد: (كانوا يقلدون الإبل الأوتار لئلا تصيبها العين، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإزالتها، إعلاماً لهم بأن الأوتار لا ترُدُّ شيئاً).
وكذا قال ابن الجوزي وغيره.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الرُّقى، والتمائم، والتِّوَلة شرك”، فقالت له زوجه زينب: لِمَ تقول هذا؟ والله لقد كانت عيني تقذف، وكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيني، فإذا رقاني سكَنت؛ فقال عبد الله: “إنما ذلك عمل الشيطان، كان ينخسها بيده، فإذا رقاها كفَّ عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً”.(صحيح سنن أبي داود 3883).
والتِّوَلة فسرها ابن مسعود راوي الحديث نفسه أنها: “شيء تفعله النساء يتحبَّبن به إلى أزواجهم” صحيح ابن حبان، وهو نوع من السحر يعرف بالحل والعقد، أو العطف والربط، أو حجاب القبول.
قال ربيعة شيخ مالك: “من ألبس امرأته خرزة لكي تحبل أو لكي لا تحبل، فهذا من الرأي المسخوط”. (كتاب الجامع لابن أبي زيد).
فالخير كل الخير في الإتباع، والشر كل الشر في الابتداع، ومن لم يسعه ما وسع السلف الصالح فلا وسَّع الله عليه، نسأل الله لأمة محمد الهدى والرشاد، والحمد لله الكبير المتعال، والصلاة والسلام على الرسول والآل والأصحاب، ومن تبعهم من الأخيار.