شرح الدرر اللوامع في قراءة الإمام نافع الشيخ محمد برعيش الصفريوي

نص:

للفصـــــل بين النفــي والإثبات والصبــر واســم الله والويلات
والسكت أولــى عنــد كـل ذي نظــر لأن وصفه الرحيــم معتبــــر

شرح:
قوله: (للفصل بين النفــي والإثبات) اللام جر للتعليل والجار والمجرور متعلق بقوله (بسمل عن ضرورة) والمعنى بسمل بعضهم لأجل الفصل والفرق بين… فهذه هي علة ضرورة الفصل بالبسملة في المواضع الأربعة السالفة الذكر.
قوله: (بين النفي) أي النفي الواقع في فاتحة سورة القيامة وهو قوله تعالى: (لا أقسم بيوم القيامة) والواقع في فاتحة سورة البلد وهو قوله تعالى: (لا أقسم بهذا البلد).
قوله: (والإثبات) أي الإثبات الذي قبلهما وهو الواقع في خاتمة سورة المدثر في قوله تعالى: (وأهل المغفرة) والواقع في خاتمة سورة الفجر (وادخلي جنتي) وهو إثبات المغفرة وإثبات الجنة.
فإذا جمع القارئ بينهما فقال: (وأهل المغفرة لا) و(وادخلي جنتي لا): يكون فيه نفى المغفرة والجنة وهما ثابتتان في الآية.
قوله: (والصبر واســم الله والويلات) الواو حرف عطف والمعنى بسمل بعضهم لأجل الفصل والفرق بين الصبر في آخر سورة العصر واسم الله في آخر سورة الانفطار وهما قوله تعالى: (وتواصوا بالصبر) وقوله تعالى: (والأمر يومئذ لله) وبين الويل الواقع في فاتحة سورة الهمزة وهو قوله تعالى: (ويل لكل همزة لمزة).
فإذا قال القارئ (والأمر يومئذ لله ويل للطففين) (وتواصوا بالصبر ويل لكل همزة لمزة) يكون قد جمع بين اسم الله والويل وبين الصبر والويل؛ وفي ذلك قبح.
تنبيه قول الناظم: (والويلات) هو جمع أريد به التثنية أي والويلان وهي لغة.
قوله: (والسكت أولى) معناه والسكت أحسن وأفضل وأشهر.
قوله: (عند كل ذي نظر) أي عند كل صاحب نظر سديد وفهم دقيق.
وإنما قال السكت أولى من البسملة لأن السكت رواية عن ورش؛ والبسملة ليست برواية عنه في هذه المواضع.
وكأن الناظم رحمه الله في هذا البيت يضعف قول من يقول بالبسملة في تلك المواضع.
قوله: (لأن وصفه الرحيم معتبر) الجار والمجرور يتعلق بقوله (أولى) والضمير في قوله (وصفه) يعود على اسم الجلالة الله عز وجل والتقدير: إنما كان السكت أولى من البسملة لأن وصف الله أي نعته الذي هو الرحيم في آخر البسملة ينبغي اعتباره ومراعاته والمعنى: يعتبر فيه ويخاف فيه من القبح عند وصله بالنفي، والويل بهذه السور ما كان يعتبر في وصل ما قبلهن. فإن قبح اللفظ مع البسملة باق أيضا في الأربع إذ يلزم منه نفي الرحمة إذا وصل النفي والويل بالرحيم في آخر البسملة بهن.
قال الإمام الداني رحمه الله: ..فاختاروا لذلك الفصل بين هذه السور وليس اعتلالهم لاستحبابهم ذلك بالكراهة والبشاعة بشيء لأنهما موجودتان بأنفسهما بعد أسماء الله عز وجل وصفاته في قوله بسم الله الرحمن الرحيم، فلا فرق إذا بين التسمية وغيرها، وقد كان شيخنا أبو الفتح ينكر ذلك ولا يراه أعني الفصل. جامع البيان ص:119 من الطبعة الحجرية.
ثم إن قبح اللفظ إنما يحدث عند وصل آخر سورة من هذه السور بأول الأخرى من غير سكت فإذا سكت زال قبح اللفظ في هذه المواضع. تحصيل المنافع ليحيى بن سعيد السملالي لوحة 29 مخطوط
تنبيه: قوله (الرحيم) يجوز فيه النصب للإعراب ويجوز فيه الخفض على الحكاية.
نص:

ولا خلاف عند ذي قــــراءة في تركهــا في حالتـي بــراءة
ثم انتقل الناظم رحمه الله إلى بيان حكم البسملة في براءة

فقال:
ولا خلاف عند ذي قــــراءة في تركهــا في حالتـي بــراءة
فقوله (لا خلاف عند ذي قراءة) فكأنه يقول: لا خلاف يعتد به أو لا خلاف يعتبر عند كل من اتصف بالقراءة؛ وإلا فالخلاف موجود؛ فقد نص الأهوازي على جواز البسملة في التوبة.
وفيه قال ميمون الفخار في تحفة المنافع:

فقد حكى البسملة الأهوازي في أول التوبة بالجوازي

قوله: (في تركها) معناه: في ترك البسملة.
قوله: (في حالتي براءة) أي: في حالة الابتداء (وفي حالة الوصل فحالة الابتداء إذا بدأ القارئ) بأولها وحالة الوصل إذا وصلها بآخر سورة الأنفال.
ففي هذا البيت تقييد لما أطلقه في أول الكتاب من قوله: (قالون بين السورتين بسملا وورش الوجهان عنه نقلا) فكأنه يقول لا خلاف بين القراء في ترك البسملة في أول براءة فيدخل فيهم قالون الذي يبسمل وورش على الوجه الثاني المزعوم عنه.
وفي سبب ترك البسملة في أول الأنفال أقوال منها:
تباعا لخط المصحف فإنها غير مرسومة في المصحف الإمام.
وقيل: لأن التوبة والأنفال سورة واحدة.
وقيل لأنها نزلت بالسيف وإليه أشار الشاطبي بقوله: (لتنزيلها بالسيف ليست مبسملة) وقيل إن أولها منسوخ وكان أولها (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لأراد لهما ثالثا لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب براءة) فنسخ ذلك.
وأقوى الأقوال: الأول.
فبه علل الإمام الداني حيث قال في إيجاز البيان: ولا خلاف بين الأئمة في ترك التسمية بين الأنفال وبراءة؛ وكذلك إن سكت أو قطع على آخر الأنفال وابتدأ بأول براءة اتباعا لم اجتمعت عليه الصحابة رضي الله عنهم من إسقاطها رسما بينهما في كل المصاحف؛ وذلك لا يكون إلا بتوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلزمهم اتباعه والتمسك والعمل به. شرح الدرر اللوامع للمنتوري الورقة 133/أ مخطوط.
مسألة: هل أجزاء براءة كأولها؟
فيه خلاف.
فعلى قول من يقول بأنها والأنفال سورة واحدة أو أن أولها منسوخ يلزم أن تكون جزء؛ فيبسمل على من يراها جزء لوجودها في الحالتين. شرح الدرر اللوامع للمنتوري الورقة 133/أ بتصرف.
إلى هنا انتهت حلقة هذا العدد والله تعالى أعلى وأعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *