الصلاة صلة بين العبد وربه ينقطع فيها الإنسان عن شواغل الحياة ويتجه بكيانه كله لربه يستمد منه الهداية والعون والتسديد، ويسأله الثبات على الصراط المستقيم، والصلاة في الإسلام أول العمل الصالح وأفضله، فهي لذلك أبرز المظاهر والسمات للمسلمين تميزهم في واقع الحياة عن سائر الناس، والصلاة فيما يقرر القرآن مصداق الإيمان وأثره الأول فهي لذلك الصفة اللازمة للمؤمنين، والصلاة للإسلام هي الركن الأهم بعد الشهادة لله بالتوحيد وتصديق الرسالة، وهي الشرط الأول للانتماء إلى أمة المسلمين.
والناس يختلفون في هذه الصلة التي تربطهم بربهم ويتفاوتون، فمنهم من تزيده صلاته إقبالاً على الله، ومنهم من لا تؤثر فيه صلاته إلى الحد الملموس بل هو يؤديها بحركات وقراءة وذكر وتسبيح، ويؤديها من غير شعور كامل لما يفعل ولا استحضار لما يقول، والصلاة التي يريدها الله تعالى منا ليست مجرد أقوال يلوكها اللسان وحركات تؤديها الجوارح بلا تدبر من عقل ولا خشوع من قلب.
لقد كانت الصلاة هي الوصية الأخيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يفارق الدنيا، فقد أخرج النسائي عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: “كانت آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغرغر بها لسانه الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم”، لعلمه صلى الله عليه وسلم بقدرها ومنزلتها.
ولما علم عدو الله إبليس فضل ومكانة الصلاة أحب أن يصرف الناس عنها، فأجلب بخيله ورجله ليحقق تلك الغاية، وقد أفلح عدو الله في إغواء الناس وصرفهم كثير منهم عن الإتيان بهذا الركن، إما بتركه كلية، أو تأخيره عن وقته، أو الإتيان به برسوم وحركات الجوارح مع غياب شبه تام لحضور القلب وخضوعه وانكساره بين يدي باريه.
فأصبحنا نرى من المسلمين من يجلس أمام جهاز التلفاز يتابع شريطا أو “فيلماً” أو مبارة لكرة القدم وآخر على المقهى وآخر على النواصي والطرقات ينظر إلى المتبرجات، لا يبالون بالأذان ولا بالصلاة، وآخر يشغله العمل ويتشدق بقوله: العمل عبادة، والأدهى والأمر أن يشغل الناس عن الصلاة حتى في شهر رمضان، شهر الأجر والثواب ومضاعفة الأعمال.
لقد حذرنا الله عز وجل من كيد الشيطان كثيراً، وبين لنا ما يريده هذا العدو المتربص منا فقال تعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} (المائدة 91)، فأخبر الله سبحانه وتعالى أن الشيطان يريد أن يصدنا عن ذكر الله، وذكر الله تعالى يشمل الصلاة وغيرها، لكنه عز وجل ذكر الصلاة على وجه الخصوص وهذا ما يسمى في علم البلاغة بعطف الخاص على العام لبيان أهمية الخاص، وكأن الله يريد أن يقول لنا إن أهم الذكر الذي يريد أن يصدكم عنه الشيطان إنما هو الصلاة.
فحري بالمسلم الطامع في جنات النعيم، الوجل مما وعد الله به المتخلفين عن ركب الطائعين، أن يجد السعي ولا يفرط في حقوق الله تعالى وأوامره، ويكون من المبادرين لإجابة داعي رب العالمين، بالمحافظة على الصلوات المفروضات، اتباعا وخشوعا وخضوعا.