من درر السنة النبوية (الحلقة الحادية عشرة) ذ.محمد أبوالفتح

الدُرَّة المنتقاة:

عن ابن عباس رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا غُلاَمُ! أَوْ يَا غُلَيِّمُ! أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ؟!». فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ: «احْفَظِ اللَّهَ؛ يَحْفَظْكَ. احْفَظِ اللَّهَ؛ تَجِدْهُ أَمَامَكَ. تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ؛ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ. وَإِذَا سَأَلْتَ؛ فَاسْأَلِ اللَّهَ. وَإِذَا اسْتَعَنْتَ؛ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ.
قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعاً أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ؛ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ. وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ؛ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْراً كَثِيراً، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً».
أخرجه أحمد واللفظ له، والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، وكذا صححه الألباني.

• تأملات في الدُّرة:
في هذا الدرة النبوية أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بوصايا غالية، تجمع خيري الدنيا والآخرة. وتتلخص فيما يلي:
* الوصية الأولى: أن يحفظ حقوق الله تعالى وحدوده؛ ليحفظ الله عليه دنياه وآخرته، وليخصه بمعيته وعنايته.
* الوصية الثانية: أن يكون لله عبدا في الرخاء، ليكون الله له عونا في الشدة.
* الوصية الثالثة: أن يخص الله تعالى بالسؤال وطلب العون؛ فلا يدعو معه غيره، ولا يستعين بغيره فيما لا يقدر عليه سواه.
* الوصية الرابعة: أن يؤمن بقدر الله تعالى النافذ في عباده، وأنه لا يكون في ملكه إلا ما جرى به القلم، وجفت عليه الصحف، وأن الخلق لا يملكون للعبد ضرا ولا نفعا إلا ما كتبه الله له أو عليه.
* الوصية الخامسة: أن يلزم الصبر على المكاره لأن عاقبته إلى خير.
* الوصية السادسة: أن يعلم أن الصبر وإن كان مُرًّا يأتي بعده نصر وتمكين، وأن الكرب مهما كان شديدا يعقبه فرج قريب، وأن العسر مهما ضاق يأتي على إثره يسر غير بعيد، فلا يجوز للعبد أن يقنط من رحمة الله، ولا أن ييأس من رَوْحِه.

• وَمَضَاتُ الدُّرة:
مِمَّا يُستفاد من هذه الدرة:
– عناية النبي صلى الله عليه وسلم بتربية صغار السن وتعليمهم عقيدة التوحيد، وترسيخ الإيمان بالقدر في قلوبهم.
– تواضعه صلى الله عليه وسلم وملاطفته الصغار عند التأديب والتعليم، بقوله: “يا غلام” أو، “يا غليم”.
– تشويق المتعلم واستعمال الأسلوب الذي يحفزه على حسن الاستماع، كما يدل على ذلك قوله: “أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ؟!”.
– منزلة عبد الله بن عباس رضي الله عنه ووفور عقله مع صغر سنه؛ إذ خصه النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الوصايا، فحفظها ووعاها، ثم بلغها عنه بعدما كبر.
– صحة تحمل الغلام المميز، وصحة أدائه للحديث بعد البلوغ.
– أنَّ الجزاءَ من جنس العمل، فمن حفظ حدود الله وحقوقه حفظه الله، ومن أضاعها أضاع الله دنياه وأخراه.
– وجوب تخصيص الرب بالعبادة، والاستعانة به وحده فيما لا يقدر عليه إلا هو.
– وجوب الإيمان بالقدر.
– أنَّ العبادَ لا ينفعون ولا يضرُّون إلاَّ إذا كان النفعُ والضَّرر مقدَّرَين من الله.
– أنَّ الصبر يعقبه النصر، وأنَّ الكرب يعقبه الفرَج، وأنَّ العُسرَ يعقبه اليُسر، وهذا من عدل الله تعالى ورحمته بعباده.
وبهذه المناسبة أحمد الله تعالى أن فرج كربتنا، وكشف العسر عنا، بأن وفق ولاة أمرنا لإعادة فتح بعض دور القرآن، وأسأله تعالى أن ييسر فتح البقية؛ وأن يزيد ولاة أمرنا توفيقا وسدادا، وأن يرزقهم البطانة الصالحة، وأن يصرف عنهم بطانة السوء، إنه جواد كريم.
والحمد لله رب العالمين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *