مسالك استدلال الفقيه حد اللفظ حد الشرع

الحذر من الإدخال فيما حد شرعا والإخراج منه، بل الوقوف عند الظاهر المراد والرجوع إلى بيان الله ورسوله، والعناية بذلك، فبه يتم الفهم، وعليه يتوقف.
“فمما ينبغي أن يعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عرف تفسيرها وما أريد بها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم”.
وهذا معنى حدود ما أنزل الله على رسوله، قال ابن تيمية: “واسم الإيمان والإسلام والنفاق والكفر هي أعظم من هذا كله فالنبي صلى الله عليه وسلم قد بين المراد بهذه الألفاظ بيانا لا يحتاج معه إلى الاستدلال على ذلك بالاشتقاق وشواهد استعمال العرب ونحو ذلك، فلهذا يجب الرجوع في مسميات هذه الأسماء إلى بيان الله ورسوله فإنه شاف كاف”.
ولا فرق بينها وبين المسميات الفقهية، فلا يجوز صرفها عن ظواهرها المفهومة وهو ما يسبق إلى الأفهام، “فإن الألفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام فيه بنقل عن صاحب الشرع ومن غير ضرورة تدعو إليه من دليل العقل، اقتضى ذلك بطلان الثقة بالألفاظ وسقط به منفعة كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم “.
وهذا مسلك يؤول بالفقيه إلى فساد الاستدلال، وحقيقته تحريف الكلم عن مواضعه، والقاعدة في ذلك: طلب مراد المتكلم وتفسير كلامه بما يعرف به مراده وعلي الوجه الذي به يعرف مراده.
فإن اللفظ إنما يعمل به لكونه دليلا على المقصود.
فكان واجبا “اجتناب التقييدات والإلزامات التي زادها الفقهاء في تعريف الألفاظ الشرعية، فإن المقصود هو معرفة ما أراد الله ورسوله بهذا الاسم”.
كمسمى الحيض والسفر ونحو ذلك.
والعصمة في ذلك اعتبار فهم من خوطبوا به ابتداء.قال ابن القيم في الصواعق: “..مما جرت به العادة في كل من خاطب قوما بخطبة أو دارسهم علما أو بلغهم رسالة، فإن حرصه وحرصهم على معرفة مراده أعظم من حرصهم على مجرد حفظ ألفاظه ولهذا يضبط الناس من معاني المتكلم أكثر مما يضبطونه من لفظه فإن المقتضى لضبط المعنى أقوى من المقتضى لحفظ اللفظ لأنه هو المقصود واللفظ وسيلة إليه وإن كانا مقصودين فالمعنى أعظم المقصودين والقدرة عليه أقوى فاجتمع عليه قوة الداعي وقوة القدرة وشدة الحاجة”.اهـ
فهذا منزع سلفي في الاستدلال يتوقف على تحرير مقاصدهم، ومعرفة معاني ما اصطلحوا عليه.
وسيأتي في مسلك مراعاة فهم السلف مزيد بيان.
وأقول إذ بلغ بي المقام إلى هنا أن باب النصح والمشاورة قائم، و”الكامل” من الناس من عرف فضل العلم وأهله، فلا أدعي التفرد والانفراد، بل “ليس شيء أنفع للمنشئ من سوء الظن بنفسه، والرجوع إلى غيره، وليس في الدنيا محسوب إلا وهو محتاج إلى تثقيف، والمستعين أحزم من المستبد، ومن تفرد لم يكمل، ومن شاور لم ينقص” كما في الإمتاع والمؤانسة.
ولله در الخليل إذ قال: منزلة الجهل بين الحياء والأنفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *