من آثار الإيمان باسم الله “العزيز” الحلقة الرابعة والعشرون ناصر عبد الغفور

3- من أراد العزة فليعمل بطاعة ربّ العزة:
قال تعالى: “مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ” فاطر 10، قال صاحب روح المعاني عند تفسيره للآية: “التقدير من كان يريد العزة فليطلبها من الله تعالى فلله وحده لا لغيره العزة فهو سبحانه يتصرف فيها كما يريد.. وقوله تعالى: “إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ” كالبيان لطريق تحصيل العزة وسلوك السبيل لنيلها وهو الطاعة القولية والفعلية” ، وقال الحافظ : “أي من كان يحب أن يكون عزيزا في الدنيا والآخرة، فليلزم طاعة الله، فإنه يحصل له مقصوده، لأن الله مالك الدنيا والآخرة وله العزة جميعها” ، وقال السعدي: “أي يا من يريد العزة اطلبها ممن بيده، فإن العزة بيد الله ولا تنال إلا بطاعته..” ، ومما يوضح هذا المعنى قوله تعالى: “وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً”، وقوله: “وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ” .. فالعزة كلها بيد العزيز لا تنال إلا منه ولا سبيل لنيلها إلا بالاستسلام له والعمل بما يرضيه واجتناب ما يسخطه، فمن أراد أن يكون عزيزا فليكن لله وليا -وحقيقة الولاية إنما هي الاستقامة على طاعته سبحانه-، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: “وكذلك العزة كلها له وصفا وملكا وهو العزيز الذي لا شيء أعز منه ومن عز من عباده فبإعزازه له” ..
إذا تبين هذا فإن العجب كل العجب من حال المستغربين والعلمانيين الذين أعمى الله أبصارهم فانقلبت عندهم الموازين وانعكست لديهم المفاهيم، فطاعة الله والتمسك الحق بدين الإسلام الذي قال عنه الفاروق عمر رضي الله عنه: “إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله”، يعتبرون ذلك سبب الذل والهوان والتخلف عن الركبان، فالعزة عندهم إنما تنال بطاعة الغرب لا بطاعة الرب، من رام العزة فليكن عبدا لا لرب العزة بل لأصحاب الذلة، من أراد أن يكون عزيزا فليتحرر من الأحكام الشرعية وليعظ بالنواجذ على القرارات والتوصيات الغربية.. “أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً” ، فهؤلاء كما قال الإمام الشنقيطي رحمه الله: “في ضلال وعمى عن الحق لأنهم يطلبون العزة من محل الذل” ، “وبذلك تعلم ضلال من بحث عن العزة عند غير الله تعالى، وبغير طاعته والتزام نهج المؤمنين، فعادى ربّ العزة وشريعته، وحارب حزبه المؤمنين ووالى أعداء الله من المشركين واليهود والنصارى وغيرهم، ظنا منه أن هذا هو سبيل العزة وطريقها..” ، “وهذا هو الواقع من أحوال المنافقين ساء ظنهم بالله وضعف يقينهم بنصر الله لعباده المؤمنين، ولحظوا بعض الأسباب التي عند الكافرين، وقصر نظرهم عما وراء ذلك فاتخذوا الكافرين أولياء يتعززون بهم ويستنصرون، والحال أن العزة لله جميعا فإن نواصي العباد بيده ومشيئته نافذة فيهم..” .
إن اعتزاز العلمانيين بعلمانيتهم واعتزازهم بأسيادهم إنما هو اعتزاز بسراب “يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ”، ولا بأس أن نذكر قصة أحدهم لما فيها من العبرة: إنه أحد العلمانيين الذين أشربوا العلمانية.. حكم شعبا مسلما أكثر من عقدين من الزمن.. بدل كل جهده في طمس الهوية الإسلامية لهذا الشعب وترسيخ العلمانية بكل حذافيرها في كل مجالات الحياة فلا صوت يعلو في بلاد الزيتونة أيام زين العابدين على صوت العلمانية.. أخذ على عاتقه قيادة مسيرة التغريب مع رفع شعار الحرية: حرية الانعتاق من كل الضوابط الشرعية والاجتماعية..، وماذا بعد ذلك كله؟ إنه الذل والهوان “وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ”..، فهلا اتعظ من يرى العزة في الانسلاخ من الدين والعدول عن صراط رب العالمين؟
إن العزة في طاعة الله وإتباع شرعه وتحقيق العبودية له وحده فإن العزة بيده وحده، فلا عزيز إلا من أعزه الله ولا ذليل إلا من أذله الله.. ” قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *