من فقه البيوع النوع الخامس من البيوع المحرمة البيوع المحرمة من أجل الضرر أو الغبن (الزيادة في ثمن المبيع زيادة فاحشة)

الزيادة في ثمن المبيع عن سعر السوق، تعرف عند الفقهاء بـ”الغبن”، وهو عندهم قسمان: غبن يسير وغبن فاحش.

أما الغبن اليسير: فهو الزيادة اليسيرة التي يُتغابن بها في العادة، فهذا مأذون فيه إذ المقصود الأصلي من التجارة هو الربح ولا يمكن ذلك إلا بغبن ما1.
وأما الغبن الفاحش: فهو الزيادة الفاحشة التي تخرج عن العادة والعرف فيما يربحه الناس2.
إذا تقرر هذا فإن كلامنا في هذه الحلقة سيكون عن القسم الثاني وذلك في مسائل:

المسألة الأولى: حكم الربح عن طريق الغبن الفاحش
يحرم الزيادة في ثمن المبيع زيادة فاحشة خارجة عن المعتاد، وقد ذكر ابن العربي في (أحكام القرآن)3 أن الغبن ممنوع باتفاق في أحكام الدنيا لأنه خداع، وهو محرم شرعا في كل ملة، ونحن نذكر بعض الأدلة على ذلك:
الدليل الأول: قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ” (النساء الآية 29).
وجه الدلالة من الآية: أن الآية نهت عن أكل الأموال بالباطل، والأصل في النهي التحريم، واشترطت التراضي في أمور التجارة من بيع وشراء ونحوهما، ولا شك أن من غُبِن غبنا فاحشا لا يكون راضيا، بل يرى أنه قد خدع وأن ماله أُكِل بغير حق4.
الدليل الثاني: أن يبيع المرء الشيء بأكثر مما يساوي لمن لا يدري بذلك، فيه خديعة وغش له، وهما محرمان، لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “..ومن غشنا فليس منا” (رواه مسلم)، وقوله صلى الله عليه وسلم: “المكر والخديعة في النار” رواه البيهقي في شعب الإيمان من حديث قيس بن سعد وصححه الألباني في صحيح الجامع (ح 6726).
الدليل الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار” (أخرجه مالك في الموطأ، وأحمد في المسند، وابن ماجة في السنن).
ووجه الدلالة منه أن الزيادة الفاحشة الخارجة عن المعتاد فيها إضرار بالمشتري فهي حرام.
* ومما تقدم نعلم أنه لا يجوز أن يباع لمسترسل إلا بالسعر الذي يباع به لغيره.
والمسترسل: هو الجاهل بقيمة السلعة والذي لا يحسن المماكسة5.
* ولا يجوز -أيضا- أن يباع لمضطر إلا بالقيمة المعروفة، فلا يربح عليه إلا مثل ما يربح على غيره.
والمضطر: هو الذي لا يجد حاجته إلا عند هذا البائع.
* ولا يجوز -أيضا- أن تتواطأ طائفة تبيع نوعا من السلع على أن يبيعوه بأكثر من الثمن المعروف، فإن هذا أعظم عدوانا من تلقي السلع، ومن بيع الحاضر للبادي، ومن النجش، وكل ذلك مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، مع ما في ذلك التواطؤ من ظلم الناس إذ يضطرون إلى شراء السلع بأكثر من ثمن المثل لحاجتهم إليها وما احتاج إلى بيعه وشرائه عموم الناس، فإنه يجب أن لا يباع إلا بثمن المثل6.
وللبحث بقية وبالله التوفيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- انظر ما لا يسع التاجر جهله ص:65.
2- انظر مجموع الفتاوى (29/233).
3-أحكام القرآن (4/1816).
4-انظر المحلى (8/440).
5- مكس في البيع مكسا من باب ضرب: نقص في الثمن وماكس مماكسة ومكاسا مثله (المصباح المنير 2/577).
6- انظر مجموع الفتاوى (28/79).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *