من فقه البيوع النوع الخامس من البيوع المحرمة: البيوع المحرمة لأجل الضرر أو الغبن النَّجْش

تنبيه: وقع في الحلقة الماضية سقط مخل بمقصود البحث، لذا كان من المناسب إعادة المقال نفسه، مع استدراك ما وقع من سقط، وكذا تصحيح ما وقع من أخطاء مطبعية، هذا وقد وقع شيء من هذه الأخطاء في مقالات مضت لكنه فاتنا التنبيه عليها.
تعريف النَّجْش لغة: بفتح النون وإسكان الجيم وبالشين المعجمة، أصله الاستثارة، ومنه نجشت الصيد أنجشُه -بالضم- نجشا: إذا استثرته.
سمي الناجش في السلعة بذلك، لأنه يثير الرغبة فيها ويرفع ثمنها.
وقيل: أصل النجش: الختل وهو الخدع، ومنه قيل للصائد: ناجش؛ لأنه يخْتِلُ الصيد ويحتال له. وقيل أصل النجش: المدح والإطراء1.
النجش اصطلاحا: أن يزيد في ثمن السلعة لا رغبة فيها بل ليخدع غيره ويغره ليزيد ويشتريها2.
حكم النجْش
النجش حرام بإجماع العلماء3.
لكن قيد بعض أهل العلم التحريم بأن تكون الزيادة فوق ثمن المثل. وسيأتي مناقشة هذا التقييد.
الأدلة على تحريم النجش
الأدلة على تحريم النجش كثيرة منها:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نهى عن النجش”4.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا يتلقى الركبان لبيع، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا5 ولا يبع حاضر لباد.. “6 الحديث.
– ووجه الدلالة من الحديثين أن فيهما النهي عن النجش والتناجش، والأصل في النهي التحريم.
– وأيضا فإن في النجش تغريرا بالمشتري وخديعة له؛ وهو محرم.
ذكر حُجَّة من قَيَّد تحريم النجْش بأن تكون الزيادة فوق ثمن المثل والجواب عنها:
احتج أصحاب هذا التقييد بأن الزيادة في الثمن لتصل السلعة إلى قيمتها، إنما هو من باب النصيحة ولو لم يُرد الشراء.
قال الحافظ في الفتح: “قد اتفق أكثر العلماء على تفسير النجش في الشرع بما تقدم (أنظر التعريف الذي ذكرناه في أول هذا البحث). وقيَّد ابن عبد البر وابن العربي وابن حزم التحريم بأن تكون الزيادة المذكورة فوق ثمن المثل.
قال ابن العربي: “فلو أن رجلا رأى سلعة تباع بدون قيمتها فزاد فيها لتنتهي إلى قيمتها لم يكن ناجشا عاصيا بل يؤجر على ذلك بنيته. وقد وافقه على ذلك بعض المتأخرين من الشافعية”.
وأجاب الحافظ ابن حجر عن كلام ابن العربي فقال رحمه الله: “وفيه نظر إذ لم تتعين النصيحة في أن يوهم أنه يريد الشراء وليس من غرضه، بل غرضه أن يزيد على من يريد الشراء أكثر مما يريد أن يشتري به. فللذي يريد النصيحة مندوحة عن ذلك أن يُعْلِم البائع بأن قيمة سلعته أكثر من ذلك، ثم هو باختياره بعد ذلك، ويحتمل أن لا يتعين عليه إعلامه بذلك حتى يسأله للحديث الآتي: “دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض فإذا استنصح أحدكم أخاه فلينصحه”7.
وممن رد القول بالتقييد أيضا الإمام الشوكاني رحمه الله؛ قال في نيل الأوطار: “وهو تقييد للنص بغير مقتض للتقييد”8.
وللبحث بقية وبالله التوفيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-انظر لسان العرب 6/357 وطرح التثريب 6/62-61 الزيادة وأثرها في المعارضات المالية لعبد الرؤوف الكمالي 1/206
2-انظر المغني 2/37 وبداية المجتهد 2/199
3-انظر بداية المجتهد 2/199 وشرح مسلم للنووي 10/159
4- متفق عليه
5- قال الحافظ ذكره بصيغة التفاعل لأن التاجر إذا فعل لصاحبه ذلك كان بصدد أي يفعل له مثله. فتح الباري 4/353
6- متفق عليه واللفظ لمسلم.
7- فتح الباري 4/356
8- نيل الأوطار 5/187

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *