من آثار الإيمان باسم الله “العزيز” الحلقة السادسة والعشرون ناصر عبد الغفور

8- هو العزيز في رحمته الرحيم في عزته سبحانه:
كثيرا ما يقرن الله تعالى اسمه العزيز باسمه الرحيم كما في سورة الشعراء، فكثيرا ما يختم الله قصة كل نبي في هذه السورة بقوله: “إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ”، وذلك لأنه سبحانه بعزته ينتقم من أعدائه وبرحمته ينجي أولياءه، يقول ابن القيم رحمه الله: “وهو سبحانه يذكر في سورة الشعراء ما أوقع بالمشركين من أنواع العقوبات ويذكر إنجاءه لأهل التوحيد ثم يقول: “إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ”، فيذكر شرك هؤلاء الذين استحقوا به الهلاك وتوحيد هؤلاء الذين استحقوا به النجاة، ثم يخبر أن في ذلك آية وبرهانا للمؤمنين، ثم يذكر مصدر ذلك كله وأنه من أسمائه وصفاته، فصدور هذا الإهلاك عن عزته وذلك الإنجاء عن رحمته” .
وهذا باعتبار كل اسم من هذين الاسمين على حدة، أما باعتبارهما مقترنين فإن السر في اقترانهما الدلالة على أن الله تعالى رحيم في عزته عزيز في رحمته، وهذا هو الكمال، العزة مع الرحمة والرحمة مع العزة، بخلاف المخلوق فقد يكون معتزا بقوته ولا رحمة في قلبه أو رحيما لكن مع ذل.
ولا ريب أن أيَّ جمع بين اسمين من أسماء الله يزيدها حسنا على حسن، كما يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “والحسن في أسماء الله تعالى يكون باعتبار كل اسم على انفراده ويكون باعتبار جمعه إلى غيره فيحصل بجمع الاسم إلى الآخر كمال فوق كمال” .
9- من أسباب العزة: العفو عن الناس والاستغناء عما في أيديهم.
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.” ، فمن أسباب نيل العز العفو والصفح، خلافا لما قد يظنه البعض من الناس أن العفو ذلة ومهانة، فشتان شتان بين الأمرين فإن العفو “إسقاط حقك جودا وكرما وإحسانا مع قدرتك على الانتقام.. بخلاف الذل فإن صاحبه يترك الانتقام عجزا وخوفا ومهانة نفس؛ فهذا غير محمود” .
وكيف يكون العفو ذلا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا”.
يقول الإمام النووي رحمه الله في شرحه للحديث: “..فيه أيضا وجهان: أحدهما أنه على ظاهره وأن من عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب وزاد عزه وإكرامه، والثاني: أن المراد أجره في الآخرة وعزه هناك.. وقد يكون المراد الوجهين معا في جميعها في الدنيا والآخرة والله أعلم” .
* ومن أسباب العز الاستغناء عن الناس، لقوله صلى الله عليه وسلم: “أتاني جبريل، فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس” .
10- وصف الله تعالى كتابه بأنه عزيز:
قال تعالى: “وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ” فصلت 41-42، قال ابن عاشور في تفسيره: ” وقد أجري على القرآن ستة أوصاف ما من واحد إلا وهو كمال عظيم.. الوصف الثالث: أنه كتاب عزيز، والعزيز النفيس وأصله من العزة وهي المنعة لأن الشيء النفيس يدافع عنه ويحمى عن النبذ فإنه بين الإتقان وعلو المعاني ووضوح الحجة ومثل ذلك يكون عزيزا، والعزيز أيضا الذي يغلب ولا يُغلب وكذلك حجج القرآن” ، وقال قتادة: “أعزه الله عز وجل عزا فلا يجد الباطل إليه سبيلا” ..
ووصف الله تعالى للقرآن بأنه عزيز يدل على أن من أراد العزة فليستمسك بهذا القرآن لأنه عزيز كما قال تعالى: “لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ” أي شرفكم وعزكم وفخركم وارتفاعكم. ولما استمسك سلف هذه الأمة بهذا القرآن العزيز كانت لهم العزة والقيادة ، وإنه لن تعود لنا هذه العزة إلا بالعود الصادق إلى كتاب ربنا وسنة نبينا، وكما قال الإمام مالك رحمه الله: “إنه لن يصلح هذه الأمة إلا بما صلح أولها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *