-1-التقصير في فهم كتاب الله

إن الله جل شأنه بين في قوله: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}، الغاية التي من أجلها أنزل سبحانه وتعالى على خاتم رسله عليه الصلاة والسلام هذا الكتاب الكريم الذي وصفه بقوله: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.
ولن يحقق كتاب الله الغاية التي من أجلها أنزله سبحانه وتعالى، بحيث تهتدي الأمة بهديه وتستمسك بتعاليمه، مالم يُفهم ثم يُتدبر ويُتأمل، وتُدرك معانيه؛ والناظر في أحوال الناس في الآونة الأخيرة يرى تقصيرا واضحا في هذا الجانب، أعني العناية بفهم كلام الله سبحانه وتعالى؛ حيث وقف اهتمام كثير من الناس، حتى في شهر رمضان الذي كان الأولى أن يكون شهر مدارسة للقرآن الكريم، فتجد اهتمامات كثير من المسلمين في هذا الشهر المبارك تنصب على ختم القرآن بقراءة سريعة، دون فهم أو اعتبار، ناهيك عن الاتباع، فلا يهم هؤلاء حتى التعرف على معاني بعض ألفاظ القرآن الكريم التي لا يدركون مغزاها، فضلا عن الاهتمام بتدارسه؛ قال صلى الله عليه وسلم: «مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»، وقد أفرز عدم العناية بفهم كتاب الله والوقوف على معانيه، عدم الاهتمام عند قراءته بالبحث عن توجيهات آياته الكريمة، وما تقدمه من إرشادات، الأمر الذي يجب على كل عاقل أن يهتم به غاية الاهتمام، فمن المعلوم أنه ما من عاقل يتقدم -مثلا- لوظيفة من الوظائف في إدارة من الإدارات أو مؤسسة من المؤسسات، ويُطلب منه أن يقرأ كتاباً يشرح له مهام وظيفته وواجباته، ويوضح له ما يجب عليه، وما يبتعد عنه في وظيفته، لقرأه بكل تمعُّن واهتمام، لعلمه أنه بدون ذلك الفهم لن يحصل على الوظيفة، أو لن يستمر فيها إن نالها.
وكتاب رب العالمين أولى بالفهم والاستيعاب، لأنه يبين لنا واجبنا ووظيفتنا في هذه الدنيا، المتمثلة في عبادة الله سبحانه، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}، وبيان هذه المهمة التي خُلِق العباد من أجلها، وإعمار الأرض بها، من أعظم الغايات التي تكفل كتاب الله ببيانها؛ فواجب على المؤمن أن يمعن النظر في كتاب ربه، ويسلك المسالك التي تعينه على فهم كلام الله، لأنه بذلك يقوم بما أمره الله به على الوجه الذي يرضيه سبحانه وتعالى، ويكون متبعا لكتاب ربه سبحانه وتعالى الذي تكلف الله لمن اتبعه ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، قال عز وجل: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى}.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *