(سورة مريم)
– قوله تعالى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً}(6).
الإرث المذكور هنا إرث العلم والحكمة والملك لا إرث المال والمتاع.
قال الماوردي: قوله تعالى: {فَهَبْ لِي مِن لَّدنكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ}.
فيه أربعة أوجه: أحدها: يرثني مالي ويرث من آل يعقوب النبوة، قاله أبو صالح.
الثاني: يرثني ويرث من آل يعقوب العلم والنبوة، قاله الحسن. الثالث: يرثني النبوة ويرث من آل يعقوب الأخلاق، قاله عطاء. الرابع: يرثني العلم ويرث من آل يعقوب الملك، قاله ابن عباس.
وقال الزجاج: والأولى أن يحمل على ميراث غير المال لأنه يبعد أن يشفق زكريا وهو نبي من الأنبياء أن يرث بنو عمه ماله، والمعنى: أنه خاف تضييع بني عمه دين الله وتغيير أحكامه على ما كان يشاهده من بني إسرائيل من تبديل الدين وقتل الأنبياء، فسأل ربه ولدا صالحا يأمنه على أمته، ويرث نبوته وعلمه لئلا يضيع الدين.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق بن عطية: وهذا يؤيد قول النبي عليه الصلاة والسلام: “إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة”.
قال القرطبي: وهذا هو الصحيح من القولين في تأويل الآية، وأنه عليه الصلاة والسلام أراد وراثة العلم والنبوة لا وراثة المال.
قال الشيخ الشعراوي -رحمه الله-: سبق أن أوضحنا أن الميراث هنا لا يُراد به ميراث المال، لأن الأنبياء لا يورثون، وما تركوه من مال فهو صدقة من بعدهم، إنما المراد هنا ميراث العلم والنبوة والملْك، وحَمْل منهج الله إلى الناس.
– قوله تعالى: { قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً}(8).
(أَنَّى) تشكل في الفهم، فكيف بنبي الله زكرياء يطلب الله من يرثه ثم يقول أنى يكون لي ولد؟
قال القرطبي: (قال رب أنى يكون لي غلام) ليس على معنى الإنكار لما أخبر الله تعالى به، بل على سبيل التعجب من قدرة الله تعالى أن يخرج ولدا من امرأة عاقر وشيخ كبير.
قال ابن كثير: هذا تعجب من زكرياء، عليه السلام، حين أجيب إلى ما سأل، وبشر بالولد، ففرح فرحا شديدا، وسأل عن كيفية ما يولد له، والوجه الذي يأتيه منه الولد، مع أن امرأته كانت عاقرا لم تلد من أول عمرها مع كبرها، ومع أنه قد كبر وعتا، أي عسا عظمه ونحل ولم يبق فيه لقاح ولا جماع.
قال العلامة بن عاشور: وأنى استفهام مستعمل في التعجب، والتعجب مكنى به عن الشكر، فهو اعتراف بأنها عطية عزيزة غير مألوفة لأنه لا يجوز أن يسأل الله أن يهب له ولدا ثم يتعجب من استجابة الله له.
ويجوز أن يكون قد ظن أن الله يهب له ولدا من امرأة أخرى بأن يأذنه بتزوج امرأة غير عاقر.
نظير ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران:{قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ }(40).
– قوله تعالى: {وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً}(13).
و(زكاة) لا تعني الزكاة التي هي الركن الثاني من أركان ديننا الحنيف.
قال الطبري: وقوله: (وَزَكاةً) يقول تعالى ذكره: وآتينا يحيى الحكم صبيا، وزكاة: وهو الطهارة من الذنوب، واستعمال بدنه في طاعة ربه، فالزكاة عطف على الحكم من قوله (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ).
قال الماوردي: {وَزَكَاةً} فيها هنا ثلاثة تأويلات: أحدها: أنها العمل الصالح الزاكي، قاله ابن جريج.
الثاني: زكيناه بحسن الثناء كما يزكي الشهود إنساناً. الثالث: يعني صدقة به على والديه، قاله ابن قتيبة.
قال البغوي: وزكاة، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: يعني بالزكاة الطاعة والإخلاص.
وقال قتادة: هي العمل الصالح، وهو قول الضحاك ومعنى الآية وآتيناه رحمة من عندنا وتحننا على العباد، ليدعوهم إلى طاعة ربهم ويعمل عملا صالحا في إخلاص. وقال الكلبي: يعني صدقة تصدق الله بها على أبويه.