من عظيمِ إكرام الله -عز وجل- أن الإنسان حينما يخطو الخطوة الأُولى في طريق التقوى، يكفّر الله عنه سيئاته، ويتجاوز عن خطاياه وذنوبه ويُعظم له أجراً، قال تعالى: }وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً{ الطلاق:5.
ومن عظيم إكرام الله -سبحانه- للمتقي أن يجعل الله له من أمره يُسْراً، فتنحل العقد، وتُفرّج الكُرَب، ويجعل الصعب سهلاً، قال الله تعالى: }وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً {الطلاق:4.
ومن عظيم إكرام الله -عز وجل- أنه جعل التقوى مخرجاً للإنسان من كل ضيق، قال تعالى: }وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً {الطلاق:2.
وإعجاز هذه الآية الكريمة في إيجازها، وبلاغتها في إطلاقها:
فحينما تضيق الأمور، وتستحكم الحلقات، وتُسد المنافذ، وتُنصب العقبات ويقنط الإنسان، تأتي التقوى فيتسع بها الضيق، وتُحل بها العقد، وتُفتح بها المسالك، وتذلل بها الصعاب والعقبات .
فمن يتقِ الله عند نزول المصيبة فيوحّده، ويصبر لحكمه، ويرضى بقضائه، ويثبت على مبدئه واستقامته، يجعل الله له مخرجاً منها، ويبدل ضيقه فرجاً وخوفه أمناً وعسره يسراً.
ومن يتق الله فلا يسمح للأفكار الزائفة أن تأخذ طريقها إلى عقله، يجعل له الله مخرجاً من الضياع والحيرة والضلال وخيبة الأمل.
ومن يتق الله فيبرأ من حَوْله وقوته وعلمه، يجعل الله له مخرجاً مما كلّفه به بالمعونة عليه.
ومن يتقِ الله فيقف عند حدود الله فلا يقربها ولا يتعداها، يجعل الله له مخرجاً من الحرام إلى الحلال، ومن الضيق إلى السعة، ومن النار إلى الجنة.
ومن يتق الله في كسبِ الرزق فيتحرى الحلال الذي يرضي الله -عز وجل- يجعل له مخرجاً من تقتير الرزق بالكفاية، ومن إتلاف المال بحفظه ونمائه.
ومن يتق الله في اتباع السنة يجعل له مخرجاً من ضلال أهل البدع ونتائج ابتداعهم.
ومن يتق الله في اختيار زوجته وفي التعامل معها يجعل الله له مخرجاً من الشقاء الزوجي.
ومن يتق الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجاً من عقوقهم ومن شقائه بشقائهم.
ومن يتق الله في اختيار عمله وحسن أدائه يجعل الله له مخرجاً من إخفاقه فيه.
فالتقوى كما يقول الغزالي رحمه الله: “نور يقذفه الله في القلب”، وهذا النور هو أساس الرؤية الصحيحة، وأساس صحة العمل، وصحة العمل أساس سعادة الدارين.
ألا يتمنى أحدنا أن يكون أكرم الناس على الله سبحانه؟
إذن فليتق الله، قال تعالى: }إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ{ الحجرات:13.
فالفلاحُ كل الفلاح، والنجاح كل النجاح، والفوز كل الفوز، والرشاد كل الرشاد، والتفوق كل التفوق والغنى كل الغنى، والتوفيق كل التوفيق، والسعادة كل السعادة في تقوى الله -عز وجل-.
قال تعالى: }وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {البقرة:189، وقال تعالى: }وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً {الأحزاب:71.
إذن التقوى تنفي الكفر بالإيمان، والشرك بالتوحيد، والرياء بالإخلاص، والكذب بالصدق، والغش بالنصيحة، والمعصية بالطاعة، والابتداع بالاتباع، والغفلة بالذكر.
(المصدر: كتاب آيات التقوى في القرآن، د. حسين علي الجبوري، ص14-17).