الأعيـان التـي يحرم بيعهـا4 قواعـد فيما يحرم بيعه من الأعيـــان تجمع شتات ما تفرق في هذا الباب

درج كثير من أهل العلم عند كلامهم عن الأعيان المحرمة في البيع إلى تقسيم هذه الأعيان باعتبار ما فيها من الوصف الموجب لتحريم البيع، وهذه طريقة تنفع طالب العلم في معرفة حكم كثير من الأعيان التي لم يرد بها النص.

قـال ابن القيم -رحمه الله-: “ولكن الشأن في معرفة حدود كلامه صلوات الله عليه، وما يدخل فيه وما لا يدخل فيه لتستبين عموم كلماته، وجمعها وتناولها لجميع الأنواع التي شملها عموم كلماته.. وهذه خاصية الفهم عن الله ورسوله الذي تفاوت فيه العلماء ويؤتيه الله من يشاء” .
والذي يتلخص من كلام الفقهاء -رحمهم الله تعالى- أن الأعيان التي يحرم بيعها على أضرب :

الضرب الأول: أعيان يحرم بيعها لنجاستها
كالكلب والخنزير و الميتة ونحو ذلك، والأصل في ذلك ما روى جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (إن الله تعالى حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) متفق عليه، وعن أبي مسعود الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم “نهى عن ثمن الكلب” متفق عليه.
قال صاحب المهذب: فنص على الكلب والخنزير والميتة، وقسنا عليها سائر الأعيان النجسة.

الضرب الثاني: أعيان يحرم بيعها لما فيها من الضرر والمفسدة
كالأصنام والخمر وآلات المعازف ونحو ذلك، أما الأصنام والخمر فقد تقدم في مقال سابق ما فيها من الأضرار والمفاسد التي تعود على الدين والنفس والعرض والعقل والمال، وأما المعازف فيصدق عليها ما قاله ابن القيم -رحمه الله- في الخمر والغناء “رضيعا لبان و في تهيجهما على القبائح فرسا رهان” فلذا جاءت النصوص صريحة بتحريم آلات المعازف.
ففي صحيح البخاري عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر (أي الزنا) والحرير والخمر والمعازف”.
وروى أبو داود وصححه الألباني عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله عز و جل حرم الخمر والميسر والكوجة والغبيراء، وكل مسكر حرام” والكوجة الطبل والغبيراء شراب مسكر يتخذ من الذرة.
ومما يدلك على ما في المعازف من المضار والمفاسد ما ذكره ابن القيم -رحمه الله- في إغاثة اللهفان في سياق كلامه عن الغناء: “..فإنه صنو الخمر ورضيعه، ونائبه وحليفه، وقرينه، وصديقه، عقد الشيطان بينهما عقد الإخاء الذي لا يفسخ، وأحكم بينهما شريعة الوفاء التي لا تنسخ، وهو جاسوس القلب، وسارق المروءة، وسوس العقل، يتغلغل في مكامن القلوب ويطلع على سرائر الأفئدة، ويدب إلى محل التخييل، فيثير ما فيه من الهوى والشهوة والسخافة والرقاعة والرعونة والحماقة، فبينا ترى الرجل وعليه همة الوقار وبهاء العقل، وبهجة الإيمان، ووقار الإسلام وحلاوة القرآن فإذا استمع الغناء ومال إليه نقص عقله، وقل حياؤه، وذهبت مروءته. وفارقه بهاؤه، وتخلى عنه وقاره وفرح به شيطانه، وشكا إلى الله تعالى إيمانه، وثقل عليه قرآنه..” وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية اتفاق الأئمة الأربعة على تحريم المعازف (منهاج السنة 3/439).

الضرب الثالث: أعيان يحرم بيعها لعدم نفعها

كالحشرات والجعلان، والخنافس والفأر، والحيات والعقارب، ونحو ذلك واستثنى العلماء من ذلك ما فيه نفع كالعلق الذي ينتفع به في مص الدم الفاسد، وكالديدان تجعل طعما في آخر السنارة لصيد السمك، وكدودة القز فإنه ينتفع بها في صنع لباس الحرير..ونحو ذلك .
وقد ألحق بعض أهل العلم بهذا الضرب الهر، فقالوا إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمنه لعدم نفعه المقصود، فلم يكن بذلك مالا متقوَّما يصح بذل العوض فيه، وقيل في علة المنع من بيعه أقوال أخرى ذكرها الخطابي وغيره.
قال الشوكاني -رحمه الله-: “وجه عدم جواز بيع ما لا نفع فيه مطلقا هو كونه من أكل أموال الناس بالباطل، ومن إضاعة المال وقد ورد النهي عن..”الأول في الكتاب العزيز ورد النهي عن الثاني في الأحاديث الصحيحة”

الضرب الرابع: أعيان يحرم بيعها لكونها وسيلة إلى محرم
كبيع السلاح لمن يقاتل به معصوم الدم، وبيع العنب لمن يعصره خمرا، وبيع الحرير لمن يلبسه من الرجال، وكبيع الدور أو تأجيرها لمن يقيم فيها سوق المعصية، ونحو ذلك مما هو معاونة على الإثم والعدوان .
قال الشوكاني -رحمه الله-: “فإن علم البائع أن ذلك المشتري لا يستعمله (أي المبيع) إلا في حرام لم يحل بيعه، وإن علم أنه يستعمله في حلال حلَّ بيعه، وإن بقي الأمر ملتبسا مع إمكان استعماله في الحلال والحرام جاز بيعه لأنه لم يوجد المانع من البيع، ومجرد التردد مع عدم الترجيح لا اعتبار به” .
وقوله: “وإن بقي الأمر ملتبسا” خرج به ما لو غلب على ظنه أحد الأمرين، وإن لم يصل إلى حد القطع فإن الظن الغالب معمول به في الأحكام.
وبالله التوفيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *