سلسلة التوحيد عند الصوفية (الحلقة الحادية عشر) : أبو محمد عادل خزرون التطواني

بعد المبايعة يقوم شيخ الصوفية بتلقين الصوفي الجديد أوراد من تأليف الشيخ نفسه أو تأليف مؤسسة الطريقة ويلزمونه بها كي يكون من أفراد الطريقة كما قال عبد الله بن الصديق الغماري بعدما ذكر “ورد الطريقة الصديقية: (يقرأ هذا الورد بعد صلاة الصبح ومثله بعد صلاة المغرب، فبالتزام الشخص لهذا الورد يصير من أهل الطريقة منسوبا إليها ومحسوبا عليها ولا يصح تركه إلا لعذر كمرض مانع”. 1

– ومن الطرق الموصلة للولاية أيضا الخدمة والذل والانكسار لشيخ الطريقة كما يقول ابن عطاء الله السكندري في كتابه التوفيق في آداب الطريق: ..إذا تخلقت بما تقدم من الآداب ووصلت بافتقارك وانكسارك إلى الشيخ وتمسكت بأثر تلك الأعتاب فراقب أحواله واجتهد في حصول مراضيه وانكسر واخضع له في كل حين فإنه الترياق والشفا، وإن قلوب المشايخ ترياق الطريق ومن سعد بذلك تم له المطلوب وتخلص من كل تعويق، واجتهد أيها الأخ في مشاهدة هذا المعنى فعسى يرى عليك من استحسانه لحالك أثرا .2
ويقول أيضا: وانهض في خدمة الشيخ بالجد فعساك تحوز رضاه فتسود مع من ساد، واحذر أن تضجر ففي الضجر الفساد ولازم أعتاب بابه في الصباح والمساء لتحوز من الوداد .3
– كذلك عدم الاعتراض على الشيخ مهما فعل هذا الشيخ الصوفي، قال الغزالي: ومهما أشار عليه المعلم بطريق في التعلم فليقلده، وليدع رأيه، فإن خطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه . 4
– وقال أيضا: فمُعتَصم المريد بعد تقديم الشروط المذكورة شيخه، فليتمسك به تمسك الأعمي على شاطئ النهر بالقائد، بحيث يفوض أمره إليه بالكلية، ولا يخالفه في ورده ولا صَدَره، ولا يبغي في متابعته شيئا ولا يذر، وليعلم أن نفعه في خطأ شيخه لو أخطأ أكثر من نفعه في صواب نفسه لو أصاب . 5
وقال علي وفا: المريد الصادق مع شيخه كالميت مع مغسله، لا كلام، ولا حركة، ولا يقدر أن ينطق بين يديه من هيبته، ولا يدخل، ولا يخرج، ولا يخالط أحداً، ولا يشتغل بعلم ولا قرآن ولاذكر إلا بإذنه . 6
ويقول محمد أمين الكردي: ومنها أن لا يعترض عليه فيما فعله، ولو كان ظاهره حراماً، ولا يقول: لم فعل كذا؟ لأن من قال لشيخه: لم؟ لا يفلح أبداً، فقد تصدر من الشيخ صورة مذمومة في الظاهر وهي محمودة في الباطن .7
– كذلك من الوسائل الموصلة في اعتقادهم إلى مرتبة الولاية: المواظبة على الذكر الصوفي الذي يلقنه له شيخه حتى تكشف له الأنوار ويصل إلى مقامات الولاية الصوفية. قال علي المرصفي: إذا ذكر المريد ربه بشدة وعزم طويت له مقامات الطريق بسرعة من غير بطء، فربما قطع في ساعة ما لا يقطعه غيره في شهر 8.
– أيضا: الاعتقاد بالتوسل والاستغاثة والتوجه بالدعاء للأنبياء والأولياء في حال الشدائد وانقطاع الأسباب كما يأمرهم بذلك المشايخ. قال النبهاني في ترجمة جاكير الكردي: واستأذن رجل واسطي الشيخ جاكير في ركوب بحر الهند بتجارة فقال: إذا وقعت في شدة فناد باسمي.. الخ 9
وقال الشعراني في ترجمة محمد الحنفي: وقال سيدي محمد رضي الله عنه في مرض موته من كانت له حاجة فليأت إلى قبري ويطلب حاجته أقضها له فإن ما بيني وبينكم غير ذراع من تراب، وكل رجل يحجبه عن أصحابه ذراع من تراب، فليس برجل .اهـ 10
– كذلك: الاعتقاد أن الأولياء يعلمون الغيب وأنهم مطلعون على الصوفي وهو في عقر بيته؛ بل يأخذون عليه العهد على ذلك كما قال الشعراني:أخذ علينا العهود أن نلزم الأدب مع أصحاب النوبة، وإن لم نجتمع بهم، ولم نعرفهم، فإنهم يشهدون أفعالنا في قعر بيوتنا، ولهم المؤاخذة بها، والتأدب عليها، حتى الخواطر الردية، لا سيما إن كنا ندعي أننا من الفقراء الصادقين، فإن قوسهم موتورة على مل من ادعى ذلك .11
ويحرم على المريد تغيير الشيخ والتتلمذ على يد شيخ آخر لأنه (كما أن الله لا يغفر أن يشرك به فكذلك الأشياخ لا يسامحون المريد في شركته معهم غيرهم) وكما أنه لم يكن للعالم إلهان.. فكذلك لا يكون للمريد شيخان)( 12) قاله الشعراني، والنظر إلى وجه الشيخ عندهم عبادة وخير للمريد من عبادة خمسين سنة (13 ).
– ومن أهم الآداب مع الشيخ (أن تتخيله دائما وكأنه أمامك وخاصة عند الذكر وهذا من أهم المقامات ويسمونه بـ(مقام الرابطة) أي الرابطة بين المريد والشيخ. ومن لم يتخيل صورة شيخه فلا تتم له الرابطة ولا يحصل له مطلوبه)( 14).
– ومن الآداب (تقبيل يد الشيخ ثم رجله، ثم… فهو من أحسن التعظيم)(15 ).
– ومنها ألا ينكر عليه ما ظهر منه من صنعة عيب، فلربما يظهر من الشيخ ما لا يعلمه المريد ويكون مراد الشيخ بذلك امتحانه، كما وقع لبعضهم أنه دخل على شيخه فرأى عنده امرأة جميلة يلاعبها ويعانقها ويجامعها، فخرج منكرا على شيخه فأخذ منه الشيخ جميع ما استفاده منه، ومع ذلك فالمرأة لم تكن سوى امرأة الشيخ وزوجته جعلها الشيخ امتحانا للمريد)!( 16).
وكان مما من الله به على الشعراني على حد قوله (كسر قفص طبعي( 17) حتى صرت لا أستحي من تعليم النساء الأجانب آداب الجماع)( 18).
والبقية تأتي بحمد الله….

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. الدرر النقية في أذكار وآداب الطريقة الصديقية ص:5.
  2. ص 20-21.
  3. ص:23.
  4. إحياء علوم الدين 1/50.
  5. المصدر نفسه 3/76
  6. الأنوار القدسية 1/187
  7. تنوير القلوب ص:528.
  8. الأنوار القدسية 1/52
  9. جامع كرامات الأولياء ص:2-3.
  10. الطبقات الكبرى ص:416. 
  11. البحر المورود ص67 العهد السادس والعشرون.
  12. لطائف المنن 334-335.
  13. لطائف المنن 225.
  14. جامع الأصول في الأولياء وأنواعهم 77 تنوير القلوب 494 و519 في معاملة علام الغيوب.
  15. الفتوحات الإلهية 218.
  16. قلادة الجواهر 278.
  17. أي زوال الحياء منه.
  18. لطائف المنن 521.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *