من آثار الإيمان بأسماء الملك المليك والمالك الحلقة الرابعة عشرة ناصر عبد الغفور

7- عدم جواز التسمية بملك الملوك:
روى الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك، لا مالك إلا الله”، وفي رواية: “أخنى الأسماء يوم القيامة عند الله رجل تسمى ملك الأملاك” ، وأخنى من الخنا وهو الفحش في القول، وأما أخنع فمعناها أوضع اسم وأذله. قال القاضي عياض: معناه أنه أشد الأسماء صغارا، قال ابن بطال: وإذا كان الاسم أذل الأسماء كان من تسمى به أشد ذلا.
قال الحافظ: “واستدل بهذا الحديث على تحريم التسمي بهذا الاسم لورود الوعيد الشديد، ويلتحق به ما في معناه مثل خالق الخلق وأحكم الحاكمين وسلطان السلاطين وأمير الأمراء، وقيل يلتحق به أيضا من تسمى بشيء من أسماء الله الخاصة به كالرحمن والقدوس والجبار..” .
“فأوضع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك لأنه جعل نفسه في مرتبة عليا، فالملوك أعلى طبقات البشر من حيث السلطة، فجعل مرتبته فوق مرتبتهم -أي مرتبة الملوك- وهذا لا يكون إلا لله عز وجل، ولهذا عوقب بنقيض قصده فصار أوضع اسم عند الله.. ولهذا كان أحب اسم عند الله ما دل على التذلل والخضوع مثل عبد الله وعبد الرحمن ، وأبغض اسم عند الله ما دل على الجبروت والسلطة والتعظيم” .
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: “..ولما كان المُلك الحق لله وحده، ولا مَلك على الحقيقة سواه، كان أخنع اسم وأوضعه عند الله وأغضبه له اسم شاهان شاه ، أي ملك الملوك، وسلطان السلاطين، فإن ذلك ليس لأحد غير الله، فتسمية غيره بهذا من أبطل الباطل، والله لا يحب الباطل” .
8- الاستغناء عن الناس والافتقار إلى ملك الناس:
فمن آثار الإيمان بهذه الأسماء دوام الافتقار إلى الله مالك الملك سبحانه والاستغناء عن الناس واليأس مما في أيديهم، لأنهم مهما ملكوا ليسوا إلا عبيدا مملوكين.
فمن ألمت به حاجة فليلتجأ إلى مالك الملك الذي لا تنفذ خزائنه فليسأله وليلح عليه في الدعاء فإنه سبحانه يجيب من دعاه، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: “ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حيث يمضي ثلث الليل الأول فيقول: أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر” مسلم.
وفي حقيقة الأمر فإن هذا الاستغناء عن المخلوقين والافتقار إلى الله جل في علاه هو عين الملك في هذه الدار. يقول الإمام الغزالي رحمه الله: “فالملك من العباد هو الذي لا يملكه إلا الله، بل يستغني عن كل شيء سوى الله، وهو مع ذلك يملك مملكته بحيث يطيعه فيها جنوده ورعاياه، وإنما مملكته الخاصة به قلبه وقالبه، وجنده شهوته، وغضبه هواه، ورعيته لسانه وعيناه ويداه وسائر أعضائه، فإذا ملكها ولم تملكه وأطاعته ولم يطعها فقد نال درجة الملك في عالمه” .
9- إثبات صفة الاستواء لله جل وعلا على عرشه:
من لوازم توحيد الله تعالى في اسم الملك إثبات الاستواء على العرش، إذ لا بد لكل ملك في الدنيا من استوائه على عرشه كلازم من لوازم الكمال في ملكه، كما قال تعالى على لسان الهدهد: “إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ”، والعرش: سرير الملك .
فإن كان هذا وصف كمال للملك المخلوق فإثباته للملك الخالق من باب أولى، قال عز من قائل: “فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ”.
و هذا الأمر من دلالات اسم الملك باللزوم ، وإلا فإن صفة الاستواء -كما هو معلوم- ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *