التبرك بالمشاهد والقبور والأضرحة.. ونحوها

التبرك هو طلب البركة من الزيادة في الخير والأجر، وكلّ ما يحتاجه العبد في دينه ودنياه بسبب ذات مباركة، أو زمان مبارك، وتكون هذه البركة قد ثبتت ثبوتاً شرعياً، وثبتت الكيفية التي تنال بها عن الله أو نبيه صلى الله عليه وسلم.
فما لم يرد فيه نص، أو ما ورد النص في النهي عن التبرك به، كالتبرك بالطواف بالقبور، ودعاء الأموات والغائبين، والتبرك بالأشجار والأحجار والغيران وغيرها، والتبرك بذوات العلماء والصالحين، فإن هذا لا يجوز، وإنما تلتمس البركة بأخذ العلم عنهم، وبالاستفادة من سمتهم وهديهم.
فعن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم، يقال لها ذات: أنواط فمررنا بسدرة، فقلنا يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى “اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ” لتركبن سنن من كان قبلكم” رواه الترمذي وصححه.
قوله صلى الله عليه وسلم: ونحن حدثاء عهد بكفر أي قريب عهدنا بالكفر، ففيه دليل على أن غيرهم ممن تقدم إسلامه من الصحابة لا يجهل هذا وأن المنتقل من الباطل الذي اعتاده قبله لا يأمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادة.
وكان عكوف المشركين عند تلك السدرة تبركاً بها وتعظيماً لقدرها، وسميت ذات أنواط لأنهم كانوا ينوطون بها أسلحتهم، أي يعلقونها عليها للبركة، وفي هذا بيان أن عبادتهم لها بالتعظيم والعكوف والتبرك، وبهذه الأمور الثلاثة عبدت الأشجار ونحوها.
وقد شبه الصادق المصدوق مقولتهم بمقولة بني إسرائيل “اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ” بجامع أن كلاً طلب أن يجعل له ما يألهه ويعبده من دون الله وإن اختلف اللفظان فالمعنى واحد، فتغيير الاسم لا يغير الحقيقة.
فعلى الإنسان ألا يغتر ويخشى على نفسه من الوقوع في الشرك، فقد يستحسن شيئاً يظن أنه يقربه إلى الله، وهو أبعد ما يبعده من رحمته ويقربه من سخطه، ولا يعرف هذا على الحقيقة إلى من عرف ما وقع في هذه الأزمان من كثير من العلماء والعباد مع أرباب القبور، من الغلو فيها وصرف جل العبادة لها، فيحسبون أنهم على شيء وهم واقعون في الذنب الذي لا يغفره الله.
قال ابن أبي شامة في كتاب البدع والحوادث: “..ومن هذا القسم أيضاً ما قد عم الابتلاء به من تزيين الشيطان للعامة تخليق الحيطان والعمد، وإسراج مواضع مخصوصة في كل بلد، يحكى لهم حاك أنه رأى في منامه بها أحداً ممن شهر بالصلاح والولاية، فيفعلون ذلك ويحافظون عليه مع تضييعهم لفرائض الله تعالى وسننه، ويظنون أنهم متقربون بذلك، ثم يتجاوزون هذا إلى أن يعظم وقع تلك الأماكن في قلوبهم فيعظمونها ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لها، وهي من عيون وشجر وحائط وحجر.. فما أشبهها بذات أنواط الواردة في الحديث”. اهـ
وذكر ابن القيم رحمه الله نحو ما ذكره أبو شامة، ثم قال: “..فما أسرع أهل الشرك إلى اتخاذ الأوثان من دون الله ولو كانت ما كانت، ويقولون: إن هذا الحجر وهذه الشجرة وهذه العين تقبل النذر، أي تقبل العبادة من دون الله، فإن النذر عبادة وقربة يتقرب بها الناذر إلى المنذور له”.
وفي هذه الجملة من الفوائد: أن ما يفعله من يعتقد في الأضرحة والقبور والأشجار والأحجار من التبرك بها والعكوف عندها والذبح لها هو الشرك، ولا يغتر بالعوام ومن لا علم صحيح عنده، ولا يستبعد كون الشرك بالله تعالى يقع في هذه الأمة، فإذا كان بعض الصحابة ظنوا ذلك حسناً وطلبوه من النبي صلى الله عليه وسلم حتى بين لهم أن ذلك كقول بني إسرائيل: “اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ” فكيف لا يخفى على من هو دونهم في العلم والفضل بأضعاف مضاعفة مع غلبة الجهل وبعد العهد بآثار النبوة؟!
إن الاعتبار في الأحكام بالمعاني لا بالأسماء، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم طلبتهم كطلبة بني إسرائيل، ولم يلتفت إلى كونهم سموها ذات أنواط، فالمشرك مشرك وإن سمى شركه ما سماه، كمن يسمى دعاء الأموات والذبح والنذر لهم ونحو ذلك تعظيماً ومحبة، فإن ذلك هو الشرك، وإن سماه ما سماه. وقس على ذلك.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *