نفي الصحة والوجود للفظة صحيح عند الإمام الترمذي في الجامع الموجود عمر ندا براهيم

ورد مسح الوجه بعد الدعاء من حديث عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعمر بن الخطاب والوليد بن عبد الله بن أبي مغيث العبدري ويزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي ومرسل محمد بن مسلم بن شهاب الزهري.
فأما حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فأخرجه الترمذي(3386) واللفظ له، وعبد بن حميد في المنتخب (39) والطبراني في الأوسط (7053) والحاكم في المستدرك (1/536) وغيرهم.
قال: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى وإبراهيم بن يعقوب وغير واحد قالوا: أخبرنا حماد بن عيسى الجهني عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي، عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه”.
قال محمد بن المثنى في حديثه: “لم يردهما حتى يمسح بهما وجهه”.
قال الترمذي عقب الحديث: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى وقد تفرد به وهو قليل الحديث، وقد حدث عنه الناس، وحنظلة بن أبي سفيان الجمحي ثقة، وثقه يحيى بن سعيد القطان.
وقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد -رحمه الله- في جزء المسح (ص/36): “هذا نصه في السنن(4/227) من الطبعة الهندية بحاشية تحفة الأحوذي ولم يتعقبه المباركفوري. وفي(5/464) من طبعة السنن المفردة عام 1385هـ بمصر ما نصه: قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى وقد تفرد به… إلخ كلامه المتقدم.
وهذا ما نقله المناوي في فيض القدير (5/138) فقال: وقال: أعني الترمذي: صحيح غريب“.اهـ.
قلت: وقد تعقب نسبة تصحيح الترمذي لهذا الحديث كل من الإمام النووي في الأذكار (ص/692) بقوله: “وأما قول الحافظ عبد الحق الإشبيلي -رحمه الله تعالى-: إن الترمذي قال في الحديث الأول: إنه حديث صحيح، فليس في النسخ المعتمدة من الترمذي أنه صحيح، بل قال: حديث غريب(1) .
وقال أيضا الإمام أحمد بن عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي في الفتح الرباني (3/315): “وذكر الشيخ عبد الحق هذا الحديث في “كتاب الأحكام” وقال: قال الترمذي: وهو حديث صحيح، وغلط في قوله إن الترمذي قال: هو حديث صحيح، وإنما قال:غريب.
وتبع الإمامين على هذا كل من الشيخ المحقق المصري أبي إسحاق الحويني في مجموع الفتاوى (1/33) ومحقق الأذكار (ص/692) والشيخ المحقق سليم بن عيد الهلالي في نيل الأوطار بتخريج أحاديث كتاب الأذكار (2/843-844) والشيخ عامر بن علي ياسين.
وأقر الإمام النووي العلامة المحقق الشيخ صديق بن حسن خان القنوجي في نزل الأبرار (ص/36) إلا أنه زاد على كلامه قوله: ولكن الغريب من أنواع الصحيح.
فتعقبه في هذا الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد-رحمه الله- بقوله: “وأما قول صديق -رحمه الله تعالى- في نزل الأبرار إن الغريب من قسم الصحيح.
فهو غريب، ليس على إطلاقه، إذ الغريب: من قسم الآحاد، والآحاد: فيها المقبول والمردود، والاستدلال بها متوقف على البحث عن أحوال رواتها كما هو معروف في فن المصطلح من “النخبة” للحافظ ابن حجر وغيرها.
والترمذي حكم بغرابة هذا الحديث مريدا ضعفه كما يفيده كلامه المتقدم على حال حماد بن عيسى، واصطلاحه في تعريف الغريب لا يخالف اصطلاح العلماء في ذلك، بل يوافقه، كما في كلامه على الغريب في آخر كتاب العلل من سننه (5/758).
وبهذا يظهر فضل قول الغماري(2) على غيره من أنه أراد بقوله: “غريب ضعفه“.
وبكلام الشيخ بكر (ص/44-45) أختم: “فظهر، أن الذي ينبغي اعتماده من حكم الترمذي على هذا الحديث هو قوله: غريب فقط. وأن قول:  صحيح غريب، متعقب كما تقدم، لكن في النسخة المصرية المذكورة سابقا أنه قال: صحيح غريب، وهذا لا يلتفت إليه، لأن هذه الطبعة كثيرة التحريف والتصحيف لا يسوغ الاعتماد عليها حاشا الجزأين الأول والثاني اللذين حققهما الشيخ أحمد شاكر(3)-رحمه الله تعالى-.
وأرجو من الله تعالى أن يهيئ لهذا الكتاب من يتمه على هذا المنوال، والله المستعان”.
وانتهاء أخي القارئ فهذا جهد المقل، لا أبرئه من نقص، ولا أحاشيه من خطأ، فإن الكمال لله تعالى والعصمة لنبيه صلى الله عليه وسلم، ولله در القائل:(4)
وإن تجد عيبا فسد الخللا  —  فجل من لا عيب فيه وعلا
والله الموفق للحق والهادي الى سواء السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

—————————————

1 قال الشيخ عامر بن علي ياسين معلقا على كلام الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: “في مطبوعات الترمذي المتداولة: (هذا حديث صحيح غريب)! وهو عجيب حقا، والذي يغلب على الظن أنه خطأ من الرواة فالترمذي أجل من أن يقع منه هذا والله أعلم.

2 قال الشيخ أحمد بن الصديق الغماري (ت: 1380هـ) في تعليقه على كتاب “النصيحة الكافية لمن تولى معاوية” لابن عقيل الحضرمي (مخطوط) وتوجد نسخة منه عند الشيخ التليدي كما أخبرني بذلك شيخنا بدر العمراني -حفظه الله تعالى- قال الترمذي: غريب يعني بذلك ضعفه.

      وبمثل كلامه قال العلامة اليمني السلفي الشيخ مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله تعالى- (ت: 1422هـ) في كتابه ” المقترح ” (ص/21): “والغالب على ما قال فيه الترمذي غريب فقط الضعف“.

3 وفي الإرواء: (3/359) قال الترمذي في حديث: غريب فقال الشيخ الألباني -رحمه الله- معلقا عليه: يعني ضعيف.

  قلت: فتبين مما سبق ذكره أن المحفوظ من كلام الإمام الترمذي هو قوله: غريب فقط  كما في الطبعة الهندية، وأن لفظة صحيح إلحاق مدرج من الرواة أو النساخ كما في الطبعة المصرية، وبه تدرك وهم المناوي ومن تبعه من أهل العلم ممن نسب تصحيح الحديث للترمذي كأبي العباس أحمد بن يحيى الونشريسي (ت: 914 هـ) في “المعيار المعرب والجامع المغرب من فتاوي علماء أفريقيه والأندلس و المغرب” (ج 1/ص:282-283) أو استدرك عليه.
وختاما فالحديث كما قال شيخنا وأستادنا المحقق الدكتور أبو عبد الرحمن القاضي برهون -حفظه الله تعالى-: “الحديث ليس بصحيح، لأن في إسناده حماد بن عيسى بن عبيدة الجهني ضعيف، قال أبو داود: روى أحاديث مناكير”.
وأما الأحاديث الخمسة السالف ذكرها فقد إستوعبت الكلام عليها نقضا وتضعيفا في رسالتي “إزاحة الغطاء عن بدعية مسح الوجه بالكفين بعد كل دعاء” أو كشف الغطاء عن أحاديث المسح بعد الدعاء”.
قال الأستاد محمد أولاد عتو في مقالته الماتعة “أبو الأشبال أحمد محمد شاكر(ت: 1377 هـ ) إمام أهل الحديث في عصره”: “ولو أنه -رحمه الله- كان وقف على مخطوطتين قديمتين (كتبت إحداهما قبل سنة: 480هـ والأخرى في سنة: 582هـ) صور الوجه الأول لكل منهما عبد الفتاح أبو غدة في كتابه “الإسناد من الدين” (ص/14) لكان قرت عينه بهما، خصوصا وأنه كان متلهفا لذلك كما يرى في قوله في “سنن الترمذي” (1/62) “على أنه لم يقع لي منه نسخة يصح أن تسمى أصلا بحق”.
وانظر –غير مأمور- مجلة الالماع (ص/188) العدد الثالث/جمادى الأولى 1422هـ/يوليوز 2001 م.
وبيانا للتلبيس ورفعا للتدليس، أسوق كلاما بكامله للشيخ أبي فهر محمد بن محمود شاكر-رحمه الله تعالى- في تقديمه للجزء العاشر من تفسير الطبري ” وبعد، فقد كنت أشرت في تصدير الجزء الرابع، أني شاركت أخي السيد أحمد في بيان حال رجال الأثار وخرجت ما اتفق منها. ثم كثرذلك حتى صرت أوقع باسمي في ذيل بعض التعليق الذي أخشى أن يحمل على أخي وعلى علمه. أما منذ الجزء التاسع، فقد انفردت بالعمل كله، فخرجت عامة أحاديث الجزء التاسع والعاشر، وتركت الإشارة إلى ذلك ولكني وجدت في نفسي أني خالفت حق العلم وأمانة النسبة فإن قارئ التفسير يعلم من عنوانه أن أخي قد راجعه وخرج أحاديثه وهو لكثرة مشاغله لم يفعل. فكتبت هذه الكلمة حتى لا ينسب أحد قولا إلى أخي لم يقله وعسى أن أقع في خطأ أخي برئ منه؛ هذا مع الفرق الواضح بين تخريج إمام استقل بمذهبه ومشارك في علم يتعثر ويلتمس من الناس الإقالة”.

فاعلم وفقني الله وإياك أن الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- لم يحقق من جامع الترمذي إلا الجزأين الأول والثاني، والجزء الأول من الأنواع والتقاسيم، وجامع البيان لأبي جعفر الطبري راجعه وخرج أحاديثه من بدايته  إلى الجزء التاسع، ثم بعد ذلك انفرد أخوه الشيخ محمود شاكر بالعمل لوحده والأجزاء الستة الأولى للمحلى والجزء الثاني والثالث للكامل في الأدب.
وعليه فليتق الله أصحاب المطابع والمكتبات فيما يثبتونه على طرة المجلدات ترويجا لبضاعتهم وتلبيسا على زبنائهم فإلى الله المشتكى.
وصدق شيخنا العلامة المحدث محمد الأمين أبو خبزة الحسني -حفظه الله تعالى- إذ يقول: “الكلام عن هذه الموضوعات طويل الذيل ولا جدوى من ورائه لأن دور النشر في العالم العربي لا تبحث عن العلم النافع والتحقيق العلمي وإنما تبحث عن الربح المضمون وتصريف الكتاب”.
(4) ملحة الإعراب (ص/48) لأبي محمد القاسم الحريري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *