من آثار الإيمان بأسماء الملك المليك والمالك الحلقة الثانية عشرة

إن للإيمان بأسماء الله جل وعلا الملك والمليك والمالك آثار عظيمة نذكر منها ما يلي:

1- التواضع وعدم الاغترار:
فإنه مهما ملك الإنسان في هذه الدنيا فإن ملكه ليس بشيء بالنسبة لملك الله تعالى، فكيف يقارن ملك مالك المُلك الغني الكبير المتعال بملك العبد الفقير..، وهذه بعض الفروق بين ملك الله وملك المخلوق:
● فملك الله تعالى حقيقي ذاتي، أما ملك المخلوق فهو نسبي اكتسابي فالله سبحانه هو الذي ملّكه ما يملك، ولو شاء أن يسلبه ملكه لفعل، كما قال تعالى: “قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” آل عمران.
● ملك الله شامل: فالله تعالى مالك العالم السفلي والعلوي بل هو مالك الدنيا والآخرة، أما ملك المخلوق فهو محدود.
● كما أن ملك المخلوق قاصر حيث لا يمكنه أن يتصرف فيما يملك تصرفا مطلقا بل يقيد بالشرع، فمثلا من كان له منزل فأراد أن يحرقه فإنه يُتهم بالجنون ويحجر عليه. أما الله جل وعلا فملكه مطلق يتصرف فيه كيف شاء وبما شاء.
● من الفروق كذلك بين ملك الله وملك ملوك الدنيا: أن ملكه سبحانه ثابت لا يفتقر في استقراره إلى أحد بخلاف أي مَلِك في الدنيا فإن ملكه لا يمكن أن يستقر إلا بأعوان ووزراء وبطانة تآزره، وصدق ربنا إذ يقول: “وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ” .
● ومما يبين كذلك بجلاء عظم الفرق بين ملك الله جل شأنه وملك غيره، ما ذكره العلماء في علة استحقاق الملك، فعلة استحقاقه -كما قالوا- أمران:
– الأول: صناعة الشيء وإنشاؤه وإيجاده واختراعه، ولا شك أن هذا الأمر متعذر عن كل مخلوق كيفما كان. يقول الحليمي: “.. وأما ملك البارئ عز اسمه فهو الذي لا يتوهم ملك يدانيه، فضلا عن أن يفوقه، لأنه إنما يستحقه بإبداعه لما يسوسه، وإيجاده إياه بعد أن لم يكن، ولا يخشى أن ينزع منه أو يدفع عنه، فهو الملك حقا، وملك من سواه مجاز” .
– الثاني: دوام الحياة، فإنه يوجب ثبوت التملك، ومعلوم أن كل ما على الأرض زائل وفان كما قال تعالى: “كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ”، وإذا كانت الحياة وصف ذاته والإحياء وصف فعله، فإن الملك بالضرورة لمالكه. فالملك لله في المبتدأ على إنشاء الخلق فلم يكن أحد سواه، والملك لله في المنتهى عند زوال الخلق لأنه لم يبق من الملوك سواه.
● يقول الإمام فخر الرازي: “..الحكم الثاني من أحكام كونه ملكا، أنه ملك لا يشبه سائر الملوك، لأنهم إن تصدقوا انتقص ملكهم، وقلت خزائنهم، أما الحق سبحانه وتعالى فملكه لا ينتقص بالعطاء والإحسان، بل يزداد، بيانه أنه تعالى إذا أعطاك ولدا لم يتوجه حكمه إلا على ذلك الولد الواحد، أما لو أعطاك عشرة من الأولاد كان حكمه وتكليفه لازما على الكل، فثبت أنه تعالى كلما كان أكثر عطاء كان أوسع ملكا..” .

2- قلبك ملك لله فلا تغتر بعملك واستقامتك:
من صور التواضع التي يجب أن يثمرها الإيمان باسم الله المالك تواضع العبد وعدم اغتراره بعمله أو بثباته وعدم افتتانه -بفتن الشبهات أو الشهوات-، فإنه إن آمن حق الإيمان بهذا الاسم فإنه سيعلم يقينا أن قلبه الذي في صدره إنما هو ملك لله، وهو سبحانه قادر على إزاغته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفه حيث شاء” رواه مسلم.
وكان أكثر دعائه صلى الله عليه وسلم: “يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك”.
فلنحذر من الاغترار فإن القلوب ملك لله، ولنستحضر دائما قوله جل وعلا: “وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ” الأنفال.

3- الانقياد التام لمالك الملك سبحانه:
فمن علم أن الله تعالى هو مالك الملك وأنه مالك لكل شيء عرف أنه مملوك له سبحانه ، فهو عبد يملكه سيده وما على العبد إلى السمع والطاعة، وهذه حقيقة العبودية فهي التذلل لله تعالى بفعل أوامره واجتناب نواهيه. فمن آثار الإيمان باسم الملك-المالك: أن نعتقد أننا عباد مملوكون لله جل جلاله تلزمنا طاعته فنأتمر بأوامره وننتهي عن زواجره، فيكون منهاجنا في هذه الحياة: “سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *