من دُرَرِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ (الحلقة: 40) د. محمد أبوالفتح

الدُرَّة المنتقاة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحُ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ، فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ! عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ” (متفق عليه).

تأملات في الدُّرّة:
في هذه الدرّة النبوية يخبرنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم أنّ كل أمته قد يعافيه الله تعالى ويعفو عن زلاته بفضله ورحمته إلا المجاهرين، وهم الذين يعلنون بالمعاصي والفسوق، ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من صور المجاهرة أن يعصي العبد ربّه ليلا، فيبيت يستره، حتى إذا أصبح كشف ستر الله عليه، وفضح نفسه أمام الناس، يقول: فعلت البارحة كذا وكذا.

وَمَضَاتُ الدُّرّة:
في هذه الدرّة من الفوائد ما يلي:
– سعة رحمة الله تعالى، وعظيم حلمه بعباده، فلا يُحرم من رحمته وحلمه إلا محروم عظيم الحرمان، وكيف لا يكون محروما من لم تُصِبه رحمة أرحم الراحمين وخيرهم؟! كما قال تعالى: “وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ” (المؤمنون118).
– فضل الله تعالى على هذه الأمة، وأنها أمة مرحومة معافاة إلا ما استثني، كيف لا؟! وقد قال الله تعالى لجبريل عليه السلام حين رآى نبيه صلى الله عليه وسلم يدعو لأمته ويبكي، قال له: “يا جبريل اذهب إلى محمد -وربك أعلم- فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام، فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل! اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوءك” (مسلم).
– سِتْرُ الله تعالى على عباده، ولهذا فإن من أسمائه الحسنى: السِّتِّير، أي كثير الستر لعباده في الدنيا والآخرة، كما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول: نعم أي رب! حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته. وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد: (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين)”(متفق عليه).
– خطورة المجاهرة بالمعاصي، وقد ذكر لنا نبينا صلى الله عليه وسلم صورة من المجاهرة، وهي: أن يعصي العبد ربه ليلا ثم يفضح نفسه إذا أصبح، وشرا من هذه الصورة حال من يرتكب المعصية جهارا نهارا أمام الملإ غير مستحي من الله تعالى ولا من عباده، كجريمة أولئك (المناضلين) بالفسوق والفجور أمام البرلمان، جرأةً على الله تعالى في أرضه، وتحديا للمجتمع المغربي في قيمه وأخلاقه. ووجه كون هذه الصورة شرا من الصورة الأخرى أن المجاهر هناك قد تستر عند اقتراف المعصية، وأما في هذه فإنه قد بلغ من الوقاحة مبلغا جعله يجاهر بمعصيته على الملإ، بحيث إنه استغنى بالمجاهرة الفعلية عن المجاهرة القولية، هذا بالإضافة إلى ما يقصده هؤلاء المجاهرون بفسقهم من القضاء على ما بقي في قلوب المسلمين من إنكار للمنكر بالقلب، والذي ليس وراءه من الإيمان شيء.
– وجوب الحرص على الأسباب المستجلبة لستر الله تعالى، ومنها: ترك المجاهرة بالمعصية، ومنها أيضا: الستر على المسلمين، كما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة” متفق عليه.
نسأل الله تعالى أن يسترنا بستره الجميل، هو حسبنا ونعم الوكيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *