ثمرات العبادة

“من أرَاد السَّعادة الأبَديَّة فليَلزَم عَتَبَة العُبوديَّة”
الباعث الأساس لعبادة الرب سبحانه هو استحقاقه تعالى لذلك، فنحن نعبد الله جل وعلا لأنه مستحق للعبادة تحقيقا للغاية التي من أجلها خلق الإنس والجن كما قال الله تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، فهو المستحق الوحيد للعبادة لعموم سلطانه على الكون وعظيم فضله على الخلق أجمعين. ومع ذلك يجب أن نعلم أن الله تعالى غني عن العالمين، فالعبادة لا تزيده ولا تنقصه مثقال ذرة لأنه غني بذاته غنى مطلقا فلا يحتاج إلى شيء مما في الوجود بل كل ما في الوجود محتاج إليه قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.
وعليه فإن ثمرة العبادة إنما ترجع إلى الشخص العابد نفسه إذ هو المحتاج إلى الله تعالى والمفتقر إليه استعانة وتوكلا.. كما قال تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
أنا الفقير إلى رب البريات *** أنا المسكين في مجموع حالاتي
ومن هذه الثمرات المرجو تحقيقها بالمداومة على العبادة:
أولا: تربية الروح وتغذيتها
ذلك أن الإنسان مكوَّنٌ من مادة وروح، فإذا كان العنصر الجسدي فيه يجد حاجته في العناصر المادية في الكون من مأكل ومشرب وملبس ومنكح وغير ذلك فإن العنصر الروحي لا يجد إشباعا لحاجته إلا بالقرب من الله تعالى إيمانا به واتباعا حتى يشعر بمعية نصرته تعالى له، وحفظه ورعايته وذلك لا يتحقق إلا بالعبادة سواء في الضراء أو في السراء، كما قال الله تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ،فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}.
وقال تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} فدلَّ رسوله عليه الصلاة والسلام إلى التقرب إليه تعالى وعبادته.
ثانيا: تحقيق حرية الإنسان
فالعبادة لله تعالى تحرر المؤمن من الخضوع لغير الله تعالى فيصبح بذلك حرا طليقا من سلطان سوى سلطان الله تعالى وبذلك يصل إلى شاطئ الأمان ويحس بالسكينة إلى الله تعالى فإن مصدر العزة إنما هو اللجوء إلى الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “وَأَمَّا مَنْ اسْتَعْبَدَ قَلْبَهُ فَصَارَ عَبْدًا لِغَيْرِ اللَّهِ فَهَذَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ مَلِكَ النَّاسِ، فَالْحُرِّيَّةُ حُرِّيَّةُ الْقَلْبِ وَالْعُبُودِيَّةُ عُبُودِيَّةُ الْقَلْبِ” (الفتاوي).
ثالثا: تمحيص المؤمن بابتلائه بالعبادة إعدادا له للحياة الآخرة
قال الله تعالى على لسان موسى عليه السلام: {يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} فالدنيا دار ابتلاء ومادة هذا الابتلاء هي عبادة الله تعالى تحقيقا لأمره {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}.
رابعا: العبادة سبيل لصلاح المجتمع
بالنظر إلى العبادة بمفهومها الشامل نجد أنها شاملة لكل أوجه الإصلاح الفردي والاجتماعي حيث إن كل عمل يقوم به الفرد أو تقوم به الجماعة يدخل في إطار العبادة.
وقد شرع الإسلام مبدأ فروض الكفاية التي يراعي فيها صلاح الجماعة والمجتمع قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}.
وجماع هذه الثمار تحقق السعادة الدنيوية والأخروية.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية” (المدارج لابن القيم).
وقال الناظم:
الدين جاء لسعادة البشر *** ولانتفاء الشر عنهم والضرر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *