حقيقة الشرك.. وخطره ناصر عبد الغفور

إن من أعظم ما يجب التحذير منه الشرك بالله، كيف لا والله تعالى ما أرسل رسله إلا مبشرين لأهل التوحيد والانقياد ومنذرين لأهل الشرك والعناد ، فما من رسول إلا دعا قومه إلى توحيد الله وحذرهم من الإشراك به، كما قال جل شأنه: “و لقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت”.

وإن كان الكل -عموما- قد أقر بربوبيته سبحانه، فإن توحيد الألوهية ضل محور الصراع بين الرسل وأقوامهم، كان لسان مقال بل وحال الكثيرين منهم {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}.
والنتيجة ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أنه عرضت عليه الأمم فرأى: “النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد” ، مما يدل على عظم شأن الشرك وأنه أردى وأهلك -عياذا بالله- كثيرا من الأمم.. فوجب التحذير منه باستمرار دون ملل ولا كلل.
وبتوفيق الله نتابع وقفاتنا مع بعض حقائقه:
7- الشرك أظلم الظلم
فلا ظلم بعد الشرك ولا إثم فوقه، كما قال ربنا جل في علاه: “إن الشرك لظلم عظيم” لقمان.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: “اعلم رحمك الله أن الشرك بالله أعظم ذنب عصي الله به.. فإن الله سبحانه هو المستحق للعبادة لذاته لأنه المألوه المعبود، الذي تألهه القلوب وترغب إليه وتفزع إليه عند الشدائد، وما سواه فهو مفتقر مقهور بالعبودية فكيف يصلح أن يكون إلها” اهـ.
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله: “فأي ظلم أقبح من هذا؟ وأي حكم أشد جورا منه؟ حيث عدل من لا عدل له بخلقه كما قال تعالى: “الحمد لله الذي خلق السموات الأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون” فعدل المشرك من خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور بمن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض” اهـ.
فالشرك أظلم الظلم وما ذلك إلا لأنه لا أعظم ولا أبشع ممن سوى المخلوق من تراب بمالك الرقاب، وسوى الناقص الفقير من جميع الوجوه بالرب الكامل الغني من كل الوجوه، وذلك أقبح التشبيه.
8 – الشرك مانع من حصول الأمن والهداية في الدنيا والآخرة
قال جل شأنه: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} الأنعام.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: {ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} شق ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه؟ قال: “إنه ليس الذي تعنون ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} إنما هو الشرك” متفق عليه.
فالشرك يحرم على صاحبه أن يهنأ بأمن أو يستقر له قرار، وكيف يأمن من لم يرض برب الأرض والسموات إلها وجعل له ندا بل أندادا، تجده مشتت البال حائرا تائها قد استهوته الشياطين و تلاعبت به، فمن قبر إلى قبر ومن زاوية إلى زاوية..
وصدق ربنا إذ يقول: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} الزمر.
9- الشرك: خسران مبين وضلال كبير
وهذا بنص القرآن، يقول جل وعلا: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً}، {وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً}.
وأي خسارة أعظم ممن خسر نفسه ودنيا وأخراه:
– فالمشرك خاسر لنفسه حيث أوبقها وأوردها بشركه المهالك، كما قال عز من قائل: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}.
– والمشرك خاسر لدنياه لأنه لم يحقق فيها حق الله الذي أوجبه عليه وضيع الأمانة العظمى التي أشفقت السموات والأرض والجبال منها وحملها الإنسان لكنه كان ظلوما جهولا.
– وخاسر لآخرته لأنه إن مات مصرا على الشرك دون توبة ولا إنابة فإن الجنة عليه حرام، لقوله جل وعلا: {إنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} المائدة .
وأما ضلال المشرك فإنه ليس بعده ضلال:
قال جل وعلا: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} الأحقاف.
والاستفهام في الآية للنفي، وهو أبلغ من النفي المجرد لتضمنه معنى التحدي: وهذا لا شك عين الضلال حيث عدل عن دعاء من بيده ملكوت كل شيء وإليه يرجع أمر كل شيء، وأقبل على دعاء القبور والأضرحة التي لا يملك أصحابها لأنفسهم بله لغيرهم نفعا ولا ضرا، بل ضررهم أقرب كما قال عز من قائل: {يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ، يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} الحج:12-13، وقال جل جلاله: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ، إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} فاطر…
يتبع إن شاء الله تعالى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *