“إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة” الحلقة الثانية ناصر عبد الغفور

ومن أحسن ما عُرّفت به أسماء الله الحسنى ما ذكره شيخ الإسلام في عقيدته الأصفهانية: “الأسماء الحسنى المعروفة: هي التي يدعى الله بها، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها”.
وهذا التعريف – كما يقول أهل العلم- أصلح تعريف لكونه مستفاد من قوله تعالى: “وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا”.
فقوله: التي يدعى بها مأخوذ من قوله تعالى: “فَادْعُوهُ بِهَا”.
وقوله: التي جاءت في الكتاب والسنة مأخوذ من قوله: “الأَسْمَاء” فإن الألف واللام هنا للعهد -أي الأسماء المعهودة والمعروفة-، ولا طريق إلى معرفتها إلا عن طريق الكتاب والسنة.
وقوله: التي تقتضي المدح والثناء بنفسها: مأخوذ من قوله: “الحسنى”، ومعنى الحسنى: التي بلغت في الحسن غايته، فلا أحسن من أسماءه سبحانه.
وأسماءه جل وعلا غير محصورة بعدد، وهذا هو القول الحق الذي جرى عليه سلف الأمة وقال به جمهور العلماء كما ذكر شيخ الإسلام.
ومن الأدلة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الهم: “..أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي..”، ففي هذا الحديث قسم النبي صلى الله عليه وسلم أسماءه تعالى ثلاثة أقسام:
* قسم سمى به نفسه فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم ولم ينزله في كتابه.
* قسم أنزله في كتابه فتعرف به إلى عباده.
* قسم استأثر به في علم غيبه فلم يطلع عليه أحد من خلقه.
ومن الأدلة كذلك ما كان يقوله صلى الله عليه وسلم في سجوده: “اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافتك من عقوبتك، وبك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك” رواه مسلم.
قال شيخ الإسلام: “..ولو أحصى أسماءه لأحصى صفاته كلها، فكان يحصي الثناء عليه، لأن صفاته إنما يعبر عنها بأسماءه” .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: “إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة” ، فإنه -كما قال أهل العلم- لا يفيد حصر أسماءه سبحانه في هذا العدد، بل المراد أن من أسماءه عز وجل تسعة وتسعين من أحصاها دخل الجنة.
قال الإمام النووي رحمه الله: “ليس في الحديث حصر أسماء الله تعالى، وليس معناه أنه ليس له اسم غير هذه التسعة والتسعين، وأنما مقصود الحديث أن هذه الأسماء من أحصاها دخل الجنة، فالمراد الإخبار عن دخوله الجنة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء” .
وقد اختلف في معنى الإحصاء الوارد في الحديث على أقوال:
– فقيل المراد بذلك حفظها أي عدها، كما في قوله تعالى: “وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً”، وهذا قول كثير من أئمة العلم كالبخاري والنووي وابن الجوزي ..
* وقيل المعنى: من أطاقها، من قوله تعالى: “عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ”، والمراد من أطاق القيام بحق هذه الأسماء والعمل بمقتضاها.
* وقيل المراد فهمها وعقلها، من قول العرب فلان ذو حصاة أي ذو عقل ومعرفة، وقيل غير ذلك .
“والحق والصواب أن الإحصاء شامل لهذه الأمور جميعها، فلا بد من الجمع بين الإحصاء النظري المتمثل في العلم بها وحفظها وحفظ النصوص الدالة عليها، والإحصاء الفقهي المتمثل في فهم معانيها ومدلولاتها والإيمان بآثارها والإحصاء العملي الذي هو العمل بمقتضاها ودعاء الله بها” .
وأما بالنسبة لتعيين هذه الأسماء التسعة والتسعين فإنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، كما قال شيخ الإسلام: “تعيينها ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل المعرفة بالحديث” .
ولما لم يصح في سرد هذه الأسماء حديث، فقد اجتهد بعض العلماء في استخراج تسعة وتسعين اسما من الكتاب والسنة منهم الحافظ في الفتح، والشيخ ابن عثيمين في القواعد المثلى، وكذلك الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه لمقدمة رسالة أبي زيد القيرواني المسماة قطف الجنى الداني..
وطمعا في رحمة الله تعالى وثوابه العظيم الذي أخبر به الصادق الأمين، سأقف مع إخواني القراء في سلسلة مباركة مع تسعة وتسعين اسما من أسماء الله تعالى ، عسى الله أن يجعل ذلك سببا لدخول جنته والفوز برضوانه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *