كثيرون هم المثقفون الذين ينشرون في الأمة عبر مختلف وسائل الإعلام فكرة مفادها: أننا لن نستطيع القضاء على التطرف والغلو- وإن شئت فقل “الإرهاب”- إلا بإبعاد شباب المسلمين عن الثقافة الإسلامية فهي في نظرهم مصدر ما يعانيه المسلمون اليوم من مظاهر العنف والعدوان والغلو والتطرف المتمثلة في التفجير والتدمير الذي ابتلي به العالم أجمع.
ولا يتأتى هذا الإبعاد إلا بتقليل حصص التربية الإسلامية في مقرراتنا التعليمية، ولقد قطعوا في سبيل ذلك شوطا كبيرا؛ بل توصلوا إلى تقليصها لساعة واحدة في بعض الشعَب، والله المستعان.
وإذا علمنا أن اليهود مع تحريف شريعتهم وضلال ديانتهم وفساد معتقداتهم يخصصون للتربية الدينية في البرامج التعلميية لما يسمى بـ”دولة إسرائيل” النصيب الأكبر والحظ الأوفر، فإننا ندرك مدى التدني والانهزامية اللذَيْن يتحلى بهما حماة الفكر اللائكي ورعاة المشروع التغريبي في بلادنا، بل ندرك خطر مشروعهم وسوء طرحهم الرامي إلى سلخ المغاربة خاصة والمسلمين عامة من هويتهم وتجريدهم من مصدر عزهم ومكمن سؤددهم.
فلنكن أكثر واقعية ولنقف وقفة قصيرة مع الأثر السيئ لتغييب التنشئة والتربية على خلق الصبر، وما جناه هذا التغييب على الفرد والمجتمع، فالصبر خُلق كريم يَحْمِلُ صاحبه على ضبط النَّفْس وتحمُّل الآلام والابتلاءات وتلقِّيها بالرضى والطمأنينة، دون سخط أو شكوى، والتربية على الصبر غاية عظمى من غايات التربية الإسلامية؛ وذلك لأنه يسهم بشكل كبير في إيجاد الإنسان الصالح والمواطن الخيِّر والمسلم المسالم الذي يؤثر العافية، ليس جُبنا، بل أخذا بالحكمة والفطنة في تغليب الخير والأخذ بدواعيه وقطع الشر وأسبابه، ولهذا؛ فالصبر يشتمل على أكثر مكارم الأخلاق، فيدخل فيه الحلم: وهو صبر عن دواعي الانتقام عند الغضب، والأناة: وهي صبر عن إجابة دواعي العجلة، والعفو: وهو صبر عن إجابة دواعي الانتقام.
فيَوم أن تعود مدارسنا لتربية النشء على هذا الخلق المستمد من القرآن والسنة، فإنها لا يمكن أن تخرج لنا من يقدم على قتل مسلمين، لا لشيء إلا لكونهم ما استجابوا لدعوته -على فرض صحتها- لأننا نكون قد علمناهم قوله تعالى: “وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ” الأنعام، وقول الله تعالى على لسان الرسل صلوات الله عليهم أجمعين: “وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ” إبراهيم، ولمَّا اتهم ذلك الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدم العدل والإخلاص ما زاد على قوله صلى الله عليه وسلم: “يرحم الله موسى قد ابتلي بأكثر من هذا فَََصَبَر” البخاري ومسلم.
ولن يخرج من مدارسنا حينها من يهرع إلى الإنتقام من مخالفيه بمجرد القدرة عليهم والتمكن منهم لأننا نكون قد غرسنا في أذهان أبنائنا مواقف الصفح والعفو في موطن القوة ومنها موقفه صلى الله عليه وسلم بعد أن ردَّ دعوتَه أهلُ الطائف واستأذنه مَلَك الجبال -ومعه جبريل عليهما السلام- في أن يضم عليهم الجبلين فقال قولته التي تقطر رحمة ورأفة وحلما: “بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا” البخاري ومسلم.
ولن يخرج منها من يكره المجتمع ويحقد عليه وينصب له العداء, فضلا عن أن يقرر قتل نفسه أو غيره بسبب الفقر والبطالة, لأنه تربى على أن الله قسم الأرزاق فعلينا الرضى بما قُسِم لنا مع بذل الجهد والأخذ بالأسباب وترك التواكل، وحتى لو استمر فقره فسيضع نصب عينيه قوله تعالى: “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” البقرة.
لن يخرج حينها من مدارسنا ولا مجتمعاتنا من يكفر الدول الإسلامية ويعلن الخروج عليها لمجرد أنه عاين معصية من المعاصي, أو كبيرة من الكبائر من أمير أو رئيس, لأنه سيكون قد درس قوله عليه الصلاة والسلام: “من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات إلا مات ميتة جاهلية” البخاري ومسلم.
فهذا خلق واحد يثمر لنا كل هذه الخيرات الطيبة التي كان المفروض أن يتفيأ ظلالها المسلمون أفرادهم وجماعتهم فكيف لو عادت الأمة إلى تحكيم كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم في عقيدتها وشريعتها ومعاملاتها؟
فما أكثر الأخلاق والقيم التي خسرتها مجتمعاتنا بتهميش دور التربية الدينية الحقة, تربية الكتاب والسنة الثابتة لا تربية الدجل والخرافة والأسطورة والمشيخة, التي تجعل من المريد حلقة في إصبع شيخه يحركها كيف شاء.
تربية تصلح الفرد المسلم وتقوِّم اعوجاج المجتمع ولن يصلح المجتمع بأفكار غربية كافرة ولا شرقية ملحدة ولا ولكن الأمر كما قال الإمام مالك رحمه الله: “لن يصلح آخرهذه الأمة إلا بما صلح به أولها”.