ممَّا لبس به إبليس على كثير من الناس في باب الوضوء الإسراف في استعمال الماء, وهي مخالفة قديمة حديثة ما نجى منها إلا من سار على وفق هديه صلى الله عليه وسلم, فقد كان عليه الصلاة والسلام يقتصد في ماء وضوئه أيّما اقتصاد.
فعن سفينة رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُغَسّلُه الصاع من الماء من الجنابة, ويوضئه المد” رواه مسلم وغيره.
والمد: هو ما يملأ كفي الرجل.
فأين نحن من هذا؟
وقد قال الأمام أحمد رحمه الله: “من قلة فقه الرجل ولعه بالماء”.
وقال الميموني -تلميذ أحمد- كنت أتوضؤ بماء كثير, فقال لي أحمد: يا أبا الحسن أترضى أن تكون كذا؟! فتركه -يعني موسوسا-, انظر إغاثة اللهفان لابن القيم 1/61.
وقال ابن الجوزي رحمه الله في معرض كلامه عن تلبيس إبليس على كثير من الناس في باب الوضوء: “ومنهم من يلبس عليه بكثرة استعمال الماء, وذلك يجمع أربعة أشياء مكروهة:
ـ الإسراف في الماء.
ـ وتضييع العمر القيم فيما ليس بواجب ولا مندوب.
ـ والتعاطي على الشريعة, إذ لم يقنع بما قنعت به من استعمال الماء القليل.
ـ والدخول فيما نهت عنه من الزيادة على الثلاث.
وربما أطال الوضوء, ففات وقت الصلاة, أو فات أوله, وهو الفضيلة, أو فاتته الجماعة..
عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: “ما هذا السرف يا سعد؟ قال: أفي الوضوء سرف؟ قال: نعم, وإن كنت على نهر جار” (رواه ابن ماجة وأحمد وسنده حسن, انظر المنتقى النفيس 163).
وعن أبي نعامة أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: “اللهم إني أسألك الفردوس, وأسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها”, فقال عبد الله: سل الله الجنة وتعوذ به من النار, فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور” (رواه أبو داوود وأحمد وابن ماجة وسنده صحيح, المرجع نفسه).
وعن ابن شوذب قال: “كان الحسن يعرض ببعضهم يقول: يتوضؤ أحدهم بقربة, ويغتسل بمزادة صبا صبا, ودلكا دلكا, تعذيبا لأنفسهم, وخلافا لسنة نبيهم”.
وكان أبو الوفاء بن عقيل يقول: “أجلُّ محصول عند العقلاء الوقت, وأقل متعبَّد به الماء”.
وما عرف من خُلـُقه صلى الله عليه وسلم التعبد بكثرة الماء” (تلبيس إبليس 162-163-164,منتقاه).