من آثار أسماء الله تعالى العليم، عالم الغيب وعلام الغيوب:
1- اتصاف الله جل وعلا بصفة العلم:
وهي من الصفات الذاتية التي لا تنفك عن ذات البارئ سبحانه، فالله جل وعلا لم يزل ولا يزال عليما، علم ما كان وما يكون، بل علم ما لم يكن كيف لو كان يكون . قال تعالى: “إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”، ولفظ كل كما يقول الأصوليون من أقوى صيغ العموم، فلا يخفى عنه سبحانه خافية، فهو سبحانه يعلم سرنا وجهرنا كما قال تعالى على لسان الخليل إبراهيم عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم: “رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء” إبراهيم38.
وقال تعالى: “سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ” الرعد:10.
وقال جل ثناءه: “وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى” طه.
2- شتان بين علم الخالق والمخلوق:
أثبت الله تعالى للإنسان صفة العلم كما قال جل في علاه: “إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء” فاطر:28، وقال تعالى حكاية عن يوسف عليه الصلاة والسلام: “إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ” يوسف:55.
لكن هل يستوي علم الله تعالى وعلم المخلوق؟
طبعا لا؛ فهناك فروق كثيرة بين علم الله وعلم من سواه، وإن كان هناك اشتراك فهو فقط في أصل الصفة لا في تمام الصفة ولا في كيفية الصفة ، قال تعالى: “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ” الشورى:11.
وهذه جملة من الفروق بين صفة العلم لله تعالى وصفة العلم للمخلوق:
أ- صفة العلم بالنسبة لله تعالى -كما سلف- صفة ذاتية فهو سبحانه متصف بها في الأزل وإلى الأبد .
أما الإنسان فعلمه مكتسب لا ذاتي، فالله تعالى هو الذي من عليه بنعمة العلم كما قال تعالى: “وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً” النحل:78، أي أن “الله تعالى أعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من بعد ما أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعقلون شيئا ولا تعلمون، فرزقكم عقولا تفقهون بها وتميزون بها الخير من الشر..” ، وقال جل شأنه: “وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا” البقرة:31، وقال عز من قائل عن ملائكته: “سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ” البقرة:32، وهذا جوابهم عن قوله: “أَنبِئُونِي”، فأجابوا أنهم لا يعلمون إلا ما أعلمهم به ولم يتعالموا ما لا علم لهم به كما يفعله الجهال منا، وما في “عَلَّمْتَنَا” بمعنى الذي، أي: الذي علمتنا، ويجوز أن تكون مصدرية بمعنى إلا تعليمك إيانا” .
وقال تعالى عن كليمه موسى عليه الصلاة والسلام: “وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً” القصص:14، وقال عن داود عليه السلام: “وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ” البقرة:251، وقال عن يوسف عليه السلام: “رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ” يوسف:101، وقال عن الخضر عليه السلام: “وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً” الكهف:65.
“وعلى وجه العموم فالخلق لا يعلمون شيئا من المعلومات، إلا بتعليم الله لهم، فكل علم شرعي وقدري فمرجعه إلى العليم الحكيم سبحانه” .
ب- علم الله تعالى كامل لكماله سبحانه: فهو علم لم يسبقه جهل ولا يلحقه نسيان ولا تعتريه غفلة، كما قال جل جلاله: “لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى” طه:52، وقال تعالى: “وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً” مريم:64، وقال جل شأنه: “وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ” هود:123.
ونفي هذه الصفات -السلبية- في هذه الآيات يقتضي إثبات ضدها على الوجه الأكمل، ألا وهو علمه سبحانه الكامل الذي لا يعتريه نقص بأي وجه كان .
أما علم الإنسان فهو ناقص لنقصان الموصوف به: فهو مسبوق بجهل، كما قال جل ثنائه: “وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً” النحل:78، وكما قال تعالى: “عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ” العلق:5…
كما أنه علم يلحقه نسيان، قال سبحانه: “وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً” النحل:70.