السنة والمجتمع وقفات تربوية مع أحاديث وآثار من الموطأ نماذج من حقوق الإنسان في الإسلام محمد زغير

أخرج الإمام مالك في موطئه عن زيد بن أسلم عن أبيه: “أن عمر بن الخطاب استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمى فقال: يا هني، اضمم جناحك عن الناس واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مستجابة، وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة وإياي ونعم ابن عوف ونعم ابن عفان، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعا إلى نخل وزرع، وإن رب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ما شيتهما يأتي ببنيه فيقول: يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا؟ لا أبا لك، فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والورق، وايم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم ومياههم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا” الموطأ، باب: ما يتقى من دعوة المظلوم وأخرجه البخاري في الصحيح.

‏ لقد كثر الكلام في هذه الأزمان المتأخرة عن حقوق الإنسان إلى درجة أننا كدنا نصدق الأمر بل أن نعتبره من مزايا الحدارة عفوا الحضارة العالمية المزعومة!!
لكن سرعان ما تبدد هذا الحلم في الأفق وسمعنا بل رأينا خلاف ما يصور الآن العالم، ولعل ما يجري في غزة المكلومة ليس ببعيد عن الأنظار، فتيقنا عين اليقين أن هذه الحقوق ليس للمسلم فيها نصيب، فظهر لنا جليا قول ربنا العزيز سبحانه وتعالى: “وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ” وقوله أيضا: “وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ” في إشارة لطيفة من الباري عز وجل أن هؤلاء المشركين لا هم لهم إلا منع الإسلام من الأرض لكن قوله تعالى: “إِنِ اسْتَطَاعُواْ” يستفاد منه الشك وعدم الثقة في بلوغ المرام وخصوصا ممن عرف هذا الدين معرفة صحيحة، لذلك قال ربنا سبحانه وتعالى تتمة للآية الأولى “قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى” في إشارة منه سبحانه وتعالى إلى أن من سنن الله تأييد متبعي الهدى على علم صحيح نقي وأن الغلبة والنصر لهم، قال تعالى: “إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ”، وقال تعالى: “وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ” وفي صحيح ابن حبان والحاكم عن النبي صلى الله عليه وسلم: “بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض..”، وفي أثر عمر رضي الله عنه من الفوائد ما ينبئ عن حقيقة الحقوق في الإسلام المنبثقة عن القوة وجودة النظر والشفقة على المسلمين بل غير المسلمين، وفيه إشارة إلى العدل ونبذ الظلم كما فيه إشارة إلى التكافل الاجتماعي مع الاهتمام بالطبقة الفقيرة، وفيه أيضا مراعاة المصالح العامة للدولة الإسلامية، وفيه أيضا نبد المحسوبية وتركيز حقيقة المواظبة.
وأختم بكلام جميل لابن عقيل في كتابه الفنون قال: “إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة”.
عصمنا الله وإياكم من الزلل، وختم لنا بالحسنى إنه سميع مجيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *