إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة” من آثار أسماء الله الحكيم الحكم الحاكم الحلقة التاسعة والثلاثون ناصر عبد الغفور

10- النهي عن التكني بأبي الحكم:
عن هانئ بن يزيد رضي الله عنه أنه لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سمعهم يكنونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “إن الله هو الحكم وإليه الحكم، فلم تكنى أبا الحكم؟، فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أحسن هذا، فما لك من الولد؟”، قال: “لي شريح ومسلم وعبد الله”، فقال : “فمن أكبرهم؟” قلت: شريح، فقال:” فأنت أبو شريح”[1].
فتغيير النبي صلى الله عليه وسلم لكنية هذا الصحابي يدل على كراهية التكني بهذا الإسم، وذلك -والله أعلم- أن الحكم كما مر معنا هو الذي كان وصف الحكم ملازما له وكان حكمه دائما بالعدل، وهذا لا يليق إلا بالله تعالى.
قال ابن الأثير: “وإنما كره له ذلك لئلا يشارك الله تعالى في صفته”[2].
وقال ابن القيم في تحفة المودود: “ومما يمنع تسمية الإنسان به: أسماء الربِّ تبارك وتعالى فلا يجوز التسمية بالأحد والصمد ولا بالخالق ولا بالرازق، وكذلك سائر الأسماء المختصة بالربِّ تبارك وتعالى..”[3]، ثم ذكر حديث هانئ بن يزيد رضي الله عنه.
11- كل ما يبتلى به العبد فهو لحكم:
إن من أعظم آثار الإيمان باسم الله تعالى الحكيم أن يوقن العبد أن كل ما يصيبه من خير أو شر، من شدة ورخاء، كل ذلك من تقديرات الله تعالى التابعة لحكمته، وأن الله عز وجل له الحكمة البالغة في ذلك، وأن ما يصيب به العبد من شدة وبلاء ليس- دائما- علامة على سخط الله عليه، كما أن ما يصيب العبد من خير ونعمة  ليس -دائما- علامة على رضى الله عليه.
قال تعالى: ” فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلاَّ…”، أي كلا ليس الأمر كذلك،” فليس كل من نعمته في الدنيا فهو كريم علي، ولا كل من قدرت عليه رزقه فهو مهان لدي. وإنما الغنى والفقر والسعة والضيق ابتلاء من الله وامتحان يمتحن به العباد، ليرى من يقوم بالشكر والصبر فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل، ومن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل”[4].
فالله تعالى يصيب العبد سواء بالخير أو الشر ابتلاء وامتحانا وهذا إنما لحكمته سبحانه البالغة، قال عز من قائل: ” وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً[5] وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ” (الأنبياء:35)، “فنجازيكم بحسب ما يوجد منكم من الصبر والشكر”[6].
وعموما فإن الابتلاء من سنن الله الكونية، لا بد من الابتلاء والتمحيص، فلا يظهر معادن الناس على حقيقتها إلا ما يقدره الله تعالى عليهم من الابتلاء، فلولا الابتلاء والاختبار ما تميز الصابر من الجازع وما تبين الصادق من الكاذب ولا تبين المؤمن من المنافق، ولا تبين المجاهد من القاعد.
قال جل وعلا: الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ“.

—————————————–
[1]– رواه أبو داود والنسائي والبخاري في الأدب المفرد، وهو في صحيح الجامع (رقم:1845).
[2]– النهج الأسمى (ص:180).
[3]– تحفة المودود بأحكام المولود، فصل: فيما يستحب من الأسماء وما يكره منها.
[4]– تيسير الكريم الرحمن ص:854.
[5]– قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: “نبتليكم بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر والحلال والحرام والطاعة والمعصية والهدى والضلال” ذكره الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (324هـ) في تفسيره.
[6]– تفسير البيضاوي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *