اصدق الله يصدقك رفعة الإنسان أن يعيش لله عز وجل، ينتصر إذا انتصر لإعلاء كلمته وتقرير دينه وتحرير عباده

عن شداد بن الهاد رضي الله عنه أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه ثم قال أهاجر معك فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فلما كانت غزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبيا فقسم وقسم له فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم فلما جاء دفعوه إليه فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ قال “قسمته لك”، قال: ما على هذا اتبعتك ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا -وأشار إلى حلقه- بسهم فأموت فأدخل الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: “إن تصدق الله يصدقك”، فلبثوا قليلا ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أهو هو”، قالوا: نعم، قال: “صدق الله فصدقه”، ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبته، ثم قدمه فصلى عليه فكان فيما ظهر من صلاته “اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا أنا شهيد على ذلك” (صحيح سنن النسائي 1845).

رفعة الإنسان أن يعيش لله عز وجل، ينتصر إذا انتصر لإعلاء كلمته وتقرير دينه وتحرير عباده من العبودية المذلة لسواه، ويستشهد في سبيله ليؤدي لدينه شهادة بأنه خير عنده من الحياة، ويستشعر في كل حركة وفي كل خطوة أنه أقوى من قيود الأرض، وأنه أرفع من ثقلة الأرض، وكل هذه المعاني النبيلة لا تتأتى ولا تجتمع إلا من أهل الصدق مع الله تعالى، فالصدق هو الطريق الأقوم الذي من لم يسر فيه فهو من المنقطعين الهالكين، وبه تميز أهل النفاق من أهل الإيمان، وسكان الجنان من أهل النيران، وهو سيف الله في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه، من صال به لم ترد صولته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته . فهو روح الأعمال ومحك الأحوال والحامل على اقتحام الأهوال، والباب الذي دخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال، وهو أساس بناء الدين وعمود فسطاط اليقين.
قال يوسف بن أسباط: لأن أبيت ليلة أعامل الله بالصدق أحب إلى من أن أضرب بسيفي في سبيل الله.
وقال الحارث المحاسبي: الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه، ولا يحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله.
والصدق مع الله أحد الأسرار التي بها علا قدر الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فكانت منهم في ذات الله الأعاجيب، فهذا سعد بن خيثمة الأنصاري رضي الله عنه لما ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى غزوة بدر قال له أبوه خيثمة: إنه لابد لأحدنا أن يقيم فآثرني بالخروج وأقم مع نسائك، فأبى سعد وقال: لو كان غير الجنة آثرتك به، إني لأرجو الشهادة في وجهي هذا، فاستهما فخرج سهم سعد فخرج فقتل ببدر.
وهذا سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه لما كان يوم اليمامة وانكشف صف المسلمين حفر سالم لنفسه حفرة وتحنط بحنوطه وأمسك براية المهاجرين، فقالوا له: يا سالم إنا نخشى أن نؤتى من قبلك فقال: بئس حامل القرآن إذا أنا، فأخذ اللواء بيمينه فقطعت فرفعه بشماله فقطعت فاعتنق اللواء وجعل يقرأ “وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ” (آل عمران) إلى أن قتل، وهكذا يموت سيد القراء في الميدان ومن أولى بهذا منه، وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الحمد لله الذي جعل في أمتي مثله” (أخرجه البزار ورجاله ثقات كما قال الحافظ في الإصابة).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *