من دُرَرِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ (الحلقة الثامن عشرة) د.محمد أبوالفتح

• الدُرَّة المنتقاة:
عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال: لَمَّا بَعَثَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- مُعَاذًا نَحْوَ الْيَمَنِ؛ قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى، فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا صَلُّوا؛ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ، فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ؛ فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ» .
أخرجه البخاري واللفظ له 7273، ومسلم 19.

• تأملات في الدُّرة:
في هذه الدرة النبوية أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذا رضي الله عنه حين بعثه داعيا إلى اليمن، أوصاه بأن يبدأ في دعوة أهل اليمن بالتوحيد قبل غيره، فإن أقروا به دعاهم إلى الصلاة المفروضة، فإن هم أقاموها دعا أغنياءهم إلى إخراج الزكاة المفروضة لتُدفع إلى فقرائهم، وأوصاه بأن لا يأخذ منهم في الزكاة أنفس ما عندهم.

• وَمَضَاتُ الدُّرة:
في هذه الدرة النبوية من الفوائد:
1- أنه ينبغي للإمام أن يعظ ولاته، ويوصيهم بما يعينهم على القيام بمهامهم.
2- أنه ينبغي للداعية أن يكون عالما بحال المدعوين وعقائدهم، وأن يراعي ذلك في خطابهم، كما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ”.
3- أن ينبغي التدرج في الدعوة إلى شرائع الإسلام تجنبا من تنفير المدعويين، وأنه ينتقل بالمدعو من الأهم فالأهم، بحيث لا تعرض عليه الثانية حتى يقر بالتي قبلها ويعمل بها، كما يدل على ذلك قوله: “فَإِذَا عَرَفُوا…”، “فَإِذَا صَلُّوا…”، “فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ”.
4- أهمية التوحيد، ووجوب البداءة بالدعوة إليه قبل غيره، كما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى”.
5- قبول خبر الواحد، ووجوب العمل به، في العقائد والأحكام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث مع معاذ رضي الله عنه جماعة يتحقق بهم التواتر الذي يشترطه بعضهم في نصوص العقيدة.
6- منزلة الصلاة من الدين، وأنها أهم شرائع الإسلام بعد الشهادتين، وبعدها في الأهمية قرينتها “الزكاة”.
7- أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها إما بنفسه وإما بنائبه، فمن امتنع منها أخذت منه قهرا، ويدل على ذلك قوله “تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ..”، وذلك في الأموال الظاهرة كالزروع والأنعام.
8- أن الزكاة لا تدفع إلى الكفار، وأن فقراء البلد أولى بها من فقراء بلد آخر، لقوله: ” تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ”.
9- أنه يحرم على الساعي أخذ كرائم المال في الزكاة، بل يأخذ الوسط، كما يحرم على رب المال إخراج شر المال، لقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ” (البقرة267).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *