من فقه البيوع النوع الرابع من البيوع المحرمة: البيوع المشتملة على شرط يؤول إلى الغرر أو الربا (الحلقة الثانية) بيع العربون بين المجيزين والمانعين

تعريف بيع العربون

العربون لغة:
العُرْبون أو العَرَبون والعُرْبَان كله صحيح اللفظ، وفيه لغات أخرى1.
والعَرْبون: بفتح العين وسكون الراء المهملة لحن لم تتكلم به العرب2.
يقال أعرب في بيعه، وعرب، وعربن: إذا أعطى العربون؛ قيل سمي لذلك لأن فيه إعرابا لعقد البيع، أي إصلاحا وإزالة فساد، لئلا يشتري غيره ما اشتراه هو3.
العربون اصطلاحا: أن يشتري الرجل (أو يستأجر) الشيء، ويدفع للبائع (أو للمؤجر) مبلغا من المال، على أنه إذا تم البيع (أو الإجارة) فما دفعه كان جزءا من الثمن (أو الأجرة)، وإن لم يتم البيع (أو الإجارة) كان ما دفعه ملكا للبائع (أو للمؤجر)4.
آراء الفقهاء في مشروعية العربون
منع العربون جمهور العلماء كأبي حنيفة ومالك والشافعي. وأجازه من الصحابة: عمر بن الخطاب، وابنه عند الله، ومن التابعين: مجاهد، وابن سيرين، وابن المسيب، ونافع بن عبد الحارث، وزيد أسلم، ومن الأئمة: الإمام أحمد بن حنبل5.
حجة المانعين
1- احتج المانعون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: “نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان”. رواه مالك وأحمد وأبو داود وابن ماجة6.
2- تقديم الحظر على الإباحة عند التعارض، قال الشوكاني: “ولأنه (أي حديث عمرو بن شعيب) يتضمن الحظر، وهو أرجح من الإباحة كما تقرر في الأصول”.
3- قوله تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ” (النساء آية 29).
قالوا: وأخذ العربون هو أكل لأموال الناس بالباطل.
4- فيه شرط شيء للبائع بغير عوض فلم يصح.
5- اشترط أن له رد المبيع من غير ذكر مدة فلم يصح فإنه بمنزلة الخيار المجهول.
وللمانعين حجج أخرى أعرضنا عن ذكرها خشية التطويل.
حجة المجيزين
1- احتج المجيزون بعدم ثبوت حديث النهي عن بيع العربون.
قال الشوكاني: الحديث منقطع لأنه من رواية مالك أنه بلغه عن عمرو بن شعيب ولم يدركه فبينهما راو لم يسم.
2- عمل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب فروى البخاري معلقا ووطد ابن أبي شيبة (في المصنف) وعبد الله بن أحمد في (مسائله) عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن فروخ عن نافع بن عبد الحارث عامل عمر على مكة “أنه اشترى من صفوان بن أمية دارا للسجن لعمر بن الخطاب بأربعة آلاف درهم، واشترط عليه نافع إن رضي عمر فالبيع له، وإن لم يرض فلصفوان أربع مائة درهم”.
قال الأثرم: قلت لأحمد تذهب إليه؟ قال أي شيء أقول؟ هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
3-4 وأجاب المجيزون عما احتج به المانعون من أخذ العربون أكل للمال بالباطل، وأن فيه شرط للبائع بغير عوض.
أن هذا العربون عوض عن انتظار البائع وحبس المبيع طوال هذه المدة، وقد تفوت عليه فرص مجزية للبيع، فلا يصح القول بأن العربون أمر قد شرط للبائع بغير مقابل7. وأن أخذه أكل للمال بالباطل.
5- عدم صحة القياس على الخيار المجهول لأن الشرط في جواز العربون أن تحدد مدة الانتظار، ومع تحديدها يبطل هذا القياس وينتفي هذا المحظور8.
– وبالنظر في حجج الفريقين يظهر أنه من أجاز بيع العربون أقرب إلى الصواب.
والقول بالجواز هو الذي انتهى إليه المجمع الفقه الإسلامي في دورته الثامنة لكنه اشترط أن تقيد فترة الانتظار بزمن محدود. فمما جاء في قراره:
يجوز بيع العربون إذا قيدت فترة الانتظار بزمن محدود. ويحتسب العربون جزءا من الثمن إذا تم الشراء؛ ويكون من حق البائع إذا عدل المشتري عن الشراء.
وبالله التوفيق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-المجموع للنووي 9/407، وتهذيب الأسماء واللغات له أيضا 2/6 مادة أرب.
2- حاشية قليوبي 2/186
3- انظر النهاية لابن الأثير 3/202، ولسان العرب 1/592
4- بيع العربون وبعض المسائل المستحدثة فيه لرفيق يونس المصري ص:8
5- انظر المجموع للنووي 9/335 وبداية المجتهد ونهاية المقتصد 2/266 ونيل الأوطار 4/21
6- الحديث ضعفه الألباني.
7-8 انظر ما لا يسع التاجر جهله لعبد الله المصلح وصلاح الصاوي ص:103.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *