من المعلوم أن العملات النقدية التي يتعامل بها الناس اليوم، لا تعرف استقرارا من حيث قيمتها، فهي بين صعود وهبوط، ومن أهم الأسباب في ذلك ما اصطلح عليه الاقتصاديون بالتضخم النقدي .
وأغلب ما يكون الحديث عن التضخم عند تغير العملات بالنقص.
فهل تجوز الزيادة في الدين، بسبب انخفاض قيمة العملة، الناتج عن التضخم وارتفاع الأسعار؟
الذي عليه جماهير أهل العلم من القدامى والمعاصرين أن الديون تُردُّ بأمثالها وليس بقيمها، ولا عبرة بما يصيب القوة الشرائية للنقود من النقص، إلا إذا كان النقص فاحشا وبلغ مبلغ سقوط الانتفاع بالعملة أو كاد ، فإنه يرد عند بعضهم إلى القيمة العادلة رفعا للضرر من جهة، وقياسا على وضع الجوائح من جهة أخرى .
وهل تلزم القيمة يوم القرض أو يوم الانقطاع أو الكساد؟
قولان لأهل العلم.
أما ما يفعله البعض من ربط الديون التي تثبت في الذمة بمستوى الأسعار، بأن يشترط العاقدان في العقد المُنشيء للدين، كالبيع والقرض، وغيرهما، ربط العملة التي وقع بها البيع أو القرض، بسلعة أو بمجموعة من السلع، أو بعملة أو بمجموعة من العملات، بحيث يلتزم المدين بأن يوفي للدائن قيمة هذه السلعة أو العملة، أو متوسط قيمة تلك السلع أو العملات وقت حلول الأجل بالعملة التي وقع بها البيع أو القرض، فهو من المعاملات المحرمة ، لأنه يؤدي إلى الربا، كما أنه يؤدي إلى الغرر، لأن الدائن والمدين لا يعلمان مقدار النقود التي يجب دفعها عند حلول الأجل، وأيضا فإن الصحابة كان يداين بعضهم بعضا زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم تزل الأسعار في صعود وهبوط ومع ذلك لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إلا برد المثل ولم يرشدهم إلى القيمة.
يقول الدكتور صالح المرزوقي في بحث (ربط الديون والالتزامات الآجلة بالذهب أو بعملة معينة أو بعملة من العملات) (منشور بمجلة البحوث الفقهية المعاصرة عدد:43 ص:27) بعد نقله خصوصا عن جمع من أهل العلم في المسألة: “وقد تبين مما نقلته عن الفقهاء أن الديون والقروض وجميع الالتزامات الآجلة ترد بمثلها، وأن الزيادة على ذلك ربا..، لأنه إذا كان الدين مليون ريال، وربط بعشرين كيلا من الذهب لأنها تساوي ثمنه يوم العقد؛ أو ربط بثلاثمائة ألف دولار أمريكي.. ثم تبين عند السداد أن قيمة الذهب أو الدولارات.. تساوي مليونا ونصف المليون، وتم السداد بهذا المقدار فهذا ربا الفضل والنسئية وهو باطل” .
وكذلك القول في غير النقود من الأموال الربوية، فلو أسلف إنسان قنطارا من قمح يساوي مائة، وعند الأجل انخفضت قيمته، فصار يساوي عشرة، فالواجب عليه ردُّ قنطار فقط، بغضِّ النظر عن القيمة التي تساويها، ولم يقل أحد من أهل العلم إنه يجب عليه رد عشرة قناطير .
وهذا الذي عليه أهل العلم من أن العبرة في وفاء الديون أن يكون بالمثل وليس بالقيمة مبنيّ على أصل وهو: أن مقاصد الشريعة العامة وأدلتها الجزئية، تفيد أن القرض قد شرع أصلا عملا من أعمال البر والمعروف، والقصد من مشروعيته الإرفاق بالمقرض، ولا يصح للمقرض أن يتخذ القرض طريقا لاستثمار ماله، والحفاظ على قيمته، فمن جعله وسيلة لاستثمار أمواله وتنميتها، والحفاظ على قيمتها فقد خالف قصد الشارع .