البيان لما في كتاب “أسماء حسنى غير الأسماء الحسنى” من الأوهام -2- ناصر عبد الغفور

من الأخطاء العقدية والمنهجية التي حواها هذا الكتاب “أسماء حسنى غير الأسماء الحسنى” للدكتور عقيل حسين عقيل:

– اشتقاقه لكثير من الأسماء التي ذكرها من الأفعال والصفات:
وهذا لا يجوز على إطلاقه، فإن باب الأسماء أضيق من باب الصفات والأخبار والأفعال، ولنا أن نشتق من الاسم صفة أوصفات؛ لكن ليس لنا أن نشتق من كل صفة اسما، فمثلا من صفات الله الغضب ومن أفعاله أنه يغضب كما دلت عليه آيات من القرآن الحكيم، لكن ليس لنا أن نسميه غاضبا، ومن صفاته المكر لكن ليس لنا أن نسميه سبحانه بالماكر، لأن هذه الصفة قد تفيد المدح كما تفيد الذم، ولا تثبت لله إلا على وجه الكمال والمدح التام.
وقد صرح الكاتب في مقدمته بهذا المنهج الذي سلكه وهو اشتقاق الأسماء من الأفعال والصفات بقوله: “فكان العجز مرافقا لإحصاء الأسماء الحسنى الصادرة عنها تلك النعم وذلك انطلاقا من بديهية تقول:
كل نعمة أحدثت كانت نتيجة فعل.
كل فعل أحدث نعمة لا بد له من فاعل.
الفاعل هو وجود اسم يسمى به الفاعل.
فإذا كانت أفعال النعمة من الله فقد اتصف الله باسم ذلك الفعل.
وعليه لا يستقيم وجود نعمة دون وجود فعل صدر عن فاعل وكل فعل من أفعاله تعالى يدل على اسم من أسمائه الحسنى تصريحا أو تضمينا، علمناه أو جهلناه…”-ص:11-.
ويلاحظ أنه استعمل لفظ “كل” الدال على العموم فكل فعل عنده يدل على اسم من أسماء الله، وهذا فهم خاطئ وقول مردود، وقد انتقد الأئمة هذا القول نقدا ونقضوه نقضا، منهم شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله تعالى، ومن ذلك قوله في المدارج: “ولهذا أطلق الله على نفسه أفعالا لم يتسم منها بأسماء الفاعل كأراد وشاء وأحدث ولم يسم بالمريد والشائي والمحدث، كما لم يسم نفسه بالصانع والفاعل والمتقن وغير ذلك من الأسماء التي أطلق أفعالها على نفسه، فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء، وقد أخطأ أقبح خطأ من اشتق له من كل فعل اسما… فسماه الماكر والمخادع والفاتن والكائد ونحو ذلك”1 اهـ –
وعلى مذهب الكاتب يجوز تسمية الله تعالى بالمغرق لأنه سبحانه أثبت لنفسه فعل الإغراق في أكثر من آية، قال تعالى: “فأغرقناهم في اليم..” الأعراف:136-، وكذا المفتي لقوله تعالى: “قل الله يفتيكم فيهن…” النساء:127-…وهذا لا شك من التقول على الله بغير علم.
وقد رد الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى هذا المنهج الباطل -ألا وهو اشتقاق الأسماء لله تعالى من أفعاله- من ستة وجوه، يقول رحمه الله تعالى في طريق الهجرتين: “ومن هنا يعلم غلط بعض المتأخرين وزلقه الفاحش في اشتقاقه له سبحانه من كل فعل أخبر به عن نفسه اسما مطلقا فأدخله في أسمائه الحسنى فاشتق له اسم الماكر والخادع والفاتن والمضل والكاتب ونحوها من قوله “ويمكر الله” ومن قوله “وهو خادعهم” ومن قوله “لنفتنهم فيه” ومن قوله يضل من يشاء وقوله تعالى “كتب الله لأغلبن”، وهذا خطأ من وجوه:
– أحدها: أنه سبحانه لم يطلق على نفسه هذه الأسماء فإطلاقها عليه لا يجوز.
– الثاني: أنه سبحانه أخبر عن نفسه بأفعال مختصة مقيدة فلا يجوز أن ينسب إليه مسمى الاسم عند الإطلاق.
– الثالث: أن مسمى هذه الأسماء منقسم إلى ما يمدح عليه المسمى به وإلى ما يذم فيحسن في موضع ويقبح في موضع فيمتنع إطلاقه عليه سبحانه من غير تفصيل.
– الرابع: أن هذه ليست من الأسماء الحسنى التي يسمى بها سبحانه كما قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى}، وهي التي يحب سبحانه أن يثنى عليه ويحمد بها دون غيرها.
– الخامس: أن هذا القائل لو سمي بهذه الأسماء وقيل له هذه مدحتك وثناء عليك فأنت الماكر الفاتن المخادع المضل اللاعن الفاعل الصانع ونحوها لما كان يرضى بإطلاق هذه الأسماء عليه ويعدها مدحة ولله المثل الأعلى سبحانه وتعالى عما يقول الجاهلون به علوا كبيرا.
– السادس: أن هذا القائل يلزمه أن يجعل من أسمائه اللاعن والجائي والآتي والذاهب والتارك والمقاتل والصادق والمنزل والنازل والمدمدم والمدمر وأضعاف ذلك فيشتق له اسما من فعل أخبر به عن نفسه وإلا تناقض تناقضا بينا ولا أحد من العقلاء طرد ذلك فعلم بطلان قوله والحمد لله رب العالمين”2 .
وللبحث بقية..
——————–
1- مدارج السالكين: 3/415.
2- طريق الهجرتين:1/486-487.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *