من فقه البيوع النوع الخامس من البيوع المحرمة: البيوع المحرمة لأجل الضرر أو الغبن التسعير (تابع) ياسين رخصي

سبق في الحلقة الماضية ذكر مسألتين من مسائل هذا الباب الأولى في تعريف التسعير لغة وشرعا والثانية: في بيان حكمه.

وفي هذه الحلقة نكمل ما تبقى من مسائل.
المسألة الثالثة: جاء في قرار المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورة يونيو الخامس بالكويت من 1-8 جمادى الأولى 1409 الموافق 1-15 دجنبر 1988 بشأن تحديد أرباح التجار:
…رابعا: لا يتدخل ولي الأمر بالتسعير إلا حيث يجد ظلما واضحا في السوق والأسعار ناشئا من عوامل مصطنعة، فإن لولي الأمر حينئذ التدخل بالوسائل العادية الممكنة التي تقضي على تلك العوامل وأسباب الخلل والغلاء والغبن الفاحش. اهـ
المسألة الرابعة: هل يجوز أن تخضع عقود الإذعان إلى التسعير من طرف ولاة الأمور؟
من العقود المستجدة في هذا العصر ما يسمى بـ “عقود الإذعان” وهي عقود تتعلق بسلع أو منافع يحتاج إليها الناس كافة ولا غنى لهم عنها، كالماء، والكهرباء، والغاز والهاتف، والبريد، والنقل العام، وشركات الطيران المدني، والقطارات، ونحو ذلك.
وتكون هذه السلع أو المنافع خاضعة لاحتكار وسيطرة الموجب (أي صاحب العرض) لتلك السلع أو المنافع أو المرافق احتكارا فعليا أو احتكارا يخضع للقانون، وتكون سيطرته عليها إما تامة، وإما غير تامة، ولكنها قوية بحيث تجعل المنافسة فيها محدودة النطاق، وعادة ينفرد الطرف الموجب بوضع تفاصيل العقد وشروطه، دون أن يكون للطرف الآخر حق في مناقشتها أو إلغاء شيء منها أو تعديله بل لا يملك إلا الإذعان لما يمليه الطرف الموجب1.
ونظرا لاحتمال تحكم الطرف المسيطر في الأسعار والشروط التي يمليها في عقود الإذعان، وتعسفه الذي يفضي إلى الإضرار بعموم الناس، فإن أهل العلم رأوا أنه يجب أن تخضع جميع عقود الإذعان لرقابة الدولة ابتداء (أي قبل طرحها للتعامل بها مع الناس) من أجل إقرار ما هو عادل منها، وتعديل أو إلغاء ما فيه ظلم بالطرف المذعن وفقا لما تقتضي به العدالة شرعا2.
لذلك جاء في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورته الرابعة عشرة بالدوحة (دولة قطر) من 8 إلى 13 ذي القعدة 1423 هـ الموافق لـ 11-16 يناير 2003 بشأن عقود الإذعان:
“…4- تنقسم عقود الإذعان في النظر الفقهي إلى قسمين:
أحدهما: ما كان الثمن فيه عادلا، ولم تتضمن شروطه ظلما بالطرف المذعن، فهو صحيح شرعا، ملزم لطرفيه، وليس للدولة أو للقضاء حق التدخل في شأنه بأي إلغاء أو تعديل، لانتفاء الموجب الشرعي لذلك…
والثاني: ما انطوى على ظلم بالطرف المذعن، لأن الثمن فيه غير عادل (أي فيه غبن فاحش) أو تضمن شروطا تعسفية ضارة به، فهذا يجب تدخل الدولة في شأنه ابتداء (قبل طرحه للتعامل به) وذلك للتسعير الجبري العادل، الذي يدفع الظلم والضرر عن الناس المضطرين إلى تلك السلعة أو المنفعة، بتخفيض السعر المتغالي فيه إلى ثمن المثل، أو بإلغاء أو تعديل الشروط الجائرة بما يحقق العدل بين طرفيه…” اهـ
وأما بالنسبة للوكالات الحصرية للاستيراد فقد نص القرار على أنها إن كانت تبيع المنتج أو توفر المنفعة بسعر المثل، أو كانت تبيعه أكثر من سعر المثل، لكن يوجد له مثيل أو بديل في السوق يباع بسعر المثل، أو كان هذا المنتج لا ضرورة إليه لكونه من السلع أو المنافع الترفيهية، كالسيارات الفارهة، وكمنفعة عمال ومزارعي حدائق الزينة، ونحو ذلك، فلا يجوز التسعير على الوكالة في كل هذه الأحوال.
وبالله التوفيق.
وصلى الله على محمد وآله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- ومن هنا سميت عقود الإذعان بذلك.
2- انظر قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم:132؛ 6/14 بشأن عقود الإذعان-شرح عمدة الفقه لعبد الله بن عبد العزيز الجبرين 2/858-860.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *