من دُرَرِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ ذ.محمد أبوالفتح

• الدُرَّة المنتقاة :
عَنْ أَبِى ذَرٍّ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- قَالُوا لِلنَّبِي -صلى الله عليه وسلم- يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّى وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ. قَالَ: «أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ، إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْي عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِى بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ، فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ». أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، (595).

تأملات في الدُّرة:

في هذه الدرة النبوية أن بعض الصحابة جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكون إليه ما سبقهم به أهل الدثور -وهم الأغنياء- من الأجر والثواب، فهم يشاركونهم في العبادات البدنية من صلاة وصوم، ويزيدون عليهم فيتقربون إلى الله بالصدقة، وهي عبادة مالية ليس لهم إليها سبيل، فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن باب الصدقة أوسع مما يظنون، وأن الله تعالى قد جعل لهم ما يعوضون به ما فاتهم من الإنفاق في سبيل الله، وهو ينقسم إلى نوعين:
1. نوع يقتصر نفعه على فاعله: مثل: التسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل.
2. نوع يتعدى نفعه إلى الآخرين: مثل: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وجماع الزوجة (وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ).
وقد استغرب الصحابة رضي الله عنهم، كيف يكون لهم في إتيان شهواتهم أجر؛ إذ الأصل أن الأجر والثواب يكون في مخالفة النفس وشهواتها، وفيما فيه مشقة ونصب، كما قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: “إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك” (صحيح الجامع 2160)، فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الأصل ليس على إطلاقه، بل إن الله تعالى بفضله وكرمه قد يثيب العبد على ما يوافق هواه، وتحبه نفسه من الشهوات، وذلك إذا صلحت نيته، وحسن مقصده، فإذا قصد العبد بجماع أهله أن يعف نفسه وأهله عن الحرام كان له على إتيان شهوته أجر لأنه وضعها في حلال، كما يكون عليه وزر إذا وضعها في حرام.

• وَمَضَاتُ الدُّرة :
في هذه الدرة من الفوائد:
1 ـ حرص الصحابة عما ينفعهم، وتنافسهم في الخيرات.
2 ـ أنَّ الصدقة لا تقتصر على الصدقة بالمال، وإن كانت أصلاً في ذلك.
3 ـ الحثُّ على التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل، وأنَّ ذلك صدقة.
4 ـ أنَّ مَن عجز عن فعل شيء من الطاعات، فإنَّه يُكثر من الطاعات التي يقدر عليها.
5 ـ الحثُّ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنَّه صدقةٌ.
6 ـ أنَّ قضاءَ الإنسان شهوته بنيَّة صالحة يكون صدقة منه على نفسه وعلى غيره.
7 ـ مراجعة العالِم فيما يستشكل للتثبُّت فيه.
8 ـ إثبات القياس؛ لأنَّ النَّبيَّ شبَّه ثبوت الأجر لِِمَن قضى شهوته في الحلال، بحصول الإثم لِمَن قضاها في الحرام، والذي في هذا الحديث من قبيل قياس العكس .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *