3 – 4: الرحمن الرحيم سبحانه جل في علاه ناصر عبد الغفور

من أسماء الله تعالى الحسنى “الرحمن” و”الرحيم”، وهما اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، وهناك فروق بين هذين الاسمين لكن قبل ذكرها لا بأس أن نقف مع مسألة اشتقاق اسم “الرحمن”.

فقد اختلفوا في هذا الاسم، هل هو مشتق أم لا، فذهب بعض العلماء إلى أنه غير مشتق، وذهب الجمهور إلى أنه مشتق من الرحمة مبني على المبالغة .
قال القرطبي: والدليل على أنه مشتق ما أخرجه الترمذي وصححه عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “قال الله تعالى: أنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته”، قال: وهذا نص في الاشتقاق فلا معنى للمخالفة والشقاق .
ورغم كون اسم الرحمن والرحيم كلاهما مشتق -على الأصح- من الرحمة، إلا أن بينهما فروقا، يمكن حصرها في أربعة:
1- اختلافهما في الوزن: فاسم “الرحمن” على وزن فعلان، واسم “الرحيم” على وزن فعيل، والأول أشد مبالغة من الثاني.
قال البيهقي في “الأسماء والصفات”: وبناء فعلان في كلامهم -أي كلام العرب- بناء المبالغة، يقال لشديد الامتلاء ملآن ولشديد الشبع شبعان.. والرحيم على وزن فعيل بمعنى فاعل أي راحم، وبناء فعيل أيضا للمبالغة كعالم وعليم.
و قد أثر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: “هما اسمان رقيقان أحدها أرق من الآخر”، قال ابن كثير في تفسيره: أي أكثر رحمة .
2- اسم “الرحمن” من الأسماء الخاصة به سبحانه بخلاف “الرحيم”، فإن من أسمائه تعالى ما اختص به كاسم الله واسم الرحمن والخالق والرازق ونحوها، ومنها ما يسمى به غيره كالرحيم والرؤوف. قال الحافظ في تفسيره للبسملة: “ولهذا بدأ باسم الله ووصفه بالرحمن، لأنه أخص وأعرف من الرحيم”.
وجوابا على سؤال أورده الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله عن السبب في تقديم اسم “الله” على اسم “الرحمن” ثم اسم “الرحيم”، قال: “لأن من شأن العرب إذا أردوا الخبر عن مخبر عنه قدموا اسمه ثم يتبعونه صفاته ونعوته.. فإذا كان ذلك كذلك.. كان الواجب أن تقدم أسماؤه التي هي له خاصة دون جميع خلقه.. فبدأ الله جل ذكره باسمه “الله” لأن الألوهية ليست لغيره جل ثناؤه من وجه من الوجوه لا من حيث التسمية ولا من حيث المعنى.. ثم ثنى باسمه الذي هو “الرحمن” إذ كان قد منع أيضا خلقه التسمي به.. وأما اسمه “الرحيم” فقد ذكرنا أنه مما هو جائز وصف غيره به” .
فالرحمن علم على الله لا يشاركه فيه غيره، كما قال الحسن البصري: “الرحمن اسم ممتنع لا يسمى به غير الله”.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: “هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً”، قال: “ليس أحد يسمى الرحمن غيره تبارك وتعالى وتقدس اسمه” .
فلا يجوز أن يوصف بهذا الوصف ولا يسمى “الرحمن” إلا الله عز وجل ، وقد تجرأ مسيلمة الكذاب فسمّى نفسه برحمن اليمامة فكساه الله -كما قال الحافظ- جلباب الكذب وشهره به، فلا يقال إلا مسيلمة الكذاب، فصار يضرب به المثل في الكذب بين أهل الحضر من أهل المدر، وأهل الوبر من أهل البادية والأعراب .
أما اسم “الرحيم” فيجوز أن يسمى به غيره سبحانه وقد سمّى الله نبيه صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم حيث قال عنه: “بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *