فقه الصمت (4) عبد القادر دغوتي

أقسام الصمت (الصمت المذموم – تتمة)
– الصمت عن شهادة واجبة:
إن القصد الشرعي من «الشهادة» هو إحقاق الحق ونصرته، وإبطال الباطل ونقضه، وإثبات الحق لأهله، وإيقاف الباطل عند حده؛ وبذلك تُحفظ مصالح الخلق وينتظم أمر معاشهم.
لأجل ذلك شدد الإسلام في النهي عن شهادة الزور والكذب والبهتان، وأكد في المقابل وجوب أداء شهادة الحق والعدل والإنصاف؛ وكما يأثم شاهد الزور، يأثم كاتم شهادة الحق، ويكون من أظلم الناس.
قال الله تعالى: {ولا تكتموا الشهادة، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه، والله بما تعملون عليم} (البقرة:283)، «أي: لا تخفوها وتغلوها ولا تظهروها، قال ابن عباس وغيرُه: شهادة الزور من أكبر الكبائر، وكتمانها كذلك»(1).
فقد نهى الملك العدل سبحانه وتعالى عن كتمان الشهادة، «لأن الحق مبني عليها لا يثبت بدونها، فكتمها من أعظم الذنوب، لأنه يترك ما وجب عليه من الخبر الصدق ويُخبر بضده وهو الكذب، ويترتب على ذلك فوات حق من له حق…»(2).
وقال جل وعلا: {ولا نكتم شهادة الله، إنا إذا لمن الآثمين} (المائدة:106)، قال ابن كثير: «أضافها إلى الله تشريفا وتعظيما لأمرها… فيأثم كل من فعل شيئا من ذلك: من تحريف الشهادة أو تبديلها أو تغييرها أو كتمها بالكلية»(3).
وقد أوجب الملك الحق جل جلاله أداء شهادة الحق والعدل ولو لصالح العدو، وضدا على النفس والوالدين والأقربين.
قال تعالى: {يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى، إن الله خبير بما تعملون} (المائدة:8)، قال الشيخ السعدي رحمه الله: «كما تشهدون لوليكم فاشهدوا عليه، وكما تشهدون على عدوكم فاشهدوا له ولو كان كافرا أو مبتدعا؛ فإنه يجب العدل فيه وقبول ما يأتي به من الحق، لأنه حق لا لأنه قاله، ولا يُردّ الحق لأجل قوله، فإن هذا ظلم للحق»(4).
وقال تعالى: {يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا، وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا} (النساء:135).
فالحاصل أن الصمت عن شهادة واجبة، هو صمت مذموم؛ وكل من آثر الصمت عن شهادة الحق، انتصارا للنفس أو محاباة لأشخاص أو متحيزا إلى فئة أو حزب على حساب إقامة الحق والعدل، فإنه واقع في إثم مبين وظلم عظيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ج. 1، ص. 392.
(2)- تيسير الكريم الرحمان في تفسير كلام المنان، الشيخ السعدي، ج. 1، ص. 180.
(3)- تفسير القرآن العظيم، بتصرف، ج. 3، ص. 131.
(4)- تيسير الكريم الرحمان، ج. 1، ص. 355.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *