من فقه البيوع النوع الثالث من البيوع المحرمة: بيوع الربا (الحلقة الرابعة) أقسام الربا ياسين رخصي

سبق في الحلقات الماضية الحديث عن خطر الربا، وعن أضراره العاجلة والآجلة؛ وسيكون كلامنا في هذه الحلقة وما بعدها عما يتصل بهذا الباب من الأحكام الفقهية.
تعريف الربا
الربا لغة: الفضل والزيادة، تقول ربا الشيء يَرْبو رُبُوّاً ورِباءً: إذا زاد.
ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ}(1).
الربا شرعا: الزيادة في بيع شيئين يجري فيهما الربا(2).
أقسام الربا:
ينقسم الربا إلى ثلاثة أقسام: ربا القرض، وربا النسيئة، وربا الفضل.
القسم الأول: ربا القرض
وهو أن يقرضه شيئا مما يصلح قرضه ويشترط عليه منفعة مقابل القرض، كسكنى داره أو ركوب دابته، أو أن يرد المقترض أجْوَدَ مما اقترض ونحو ذلك(3).
القسم الثاني: ربا النسيئة
مأخوذ من النَّسَأ: أي التأخير، وهو نوعان:
الأول: قلب الدين على المعسر، وهذا هو ربا الجاهلية، فيكون للرجل على الرجل مال مؤجل، فإذا حَلَّ الأجل قال له صاحب الدين: “إما أن تقضي، وإما أن تربي”، فإن قضاه وإلا زاد الدائن (صاحب الدين) في الأجل، وزاد في الدين مقابل التأجيل، فيتضاعف الدين في ذمة المدين، حتى تصير المئة عنده آلافا مؤلفة، فيشتد ضرره وتعظم مصيبته، ويعلوه الدين حتى يستغرق جميع موجوده، وفي ذلك نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً}(4).
الثاني: بيع شيء مما يجري فيه الربا بآخر يجري فيه الربا أيضا، نسيئة (إلى أجل)؛ وقد أجمع العلماء على جريان الربا في ستة أصناف هي: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، وذلك لأحاديث كثيرة وردت في ذلك، من أتمها: حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ سَواءً بِسَواءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ”(5).
واختلفوا: هل الربا مقصور على الأصناف الستة المنصوص عليها؟ أم أنه يُلْحَق بها غيرها مما شاركها في العلة؟
على قولين: القول الأول: أنه يلحق بها غيرها مما تحققت فيه علتها، وهو قول أكثر الفقهاء.
القول الثاني: لا يلحق بها شيء، وهو قول طاوس وقتادة ومسروق والشعبي وعثمان البتي، والظاهرية، ورجحه ابن عقيل من الحنابلة أخيرا، والصنعاني وصديق حسن خان من المتأخرين(6).
مثال هذا النوع: أن يبيع ذهبا بذهب، أو ذهبا بفضة، أو يبيع تمرا بتمر، أو تمرا بقمح مؤجلا دون تقابض في مجلس العقد؛ فهذه أصناف ربوية لا يحل بيع بعضها ببعض إلا يداً بيد(7).
القسم الثالث: ربا الفضل
وهو بيع الجنس الواحد مما يجري فيه الربا بجنسه مع زيادة في القدر(8).
مثال هذا النوع: أن يبيع صاعا من قمح جيد بصاعين من قمح رديء، فهذا ربا، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة: “…الْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ…، مِثْلًا بِمِثْلٍ سَواءً بِسَواءٍ”.
وأما إذا اختلفت هذه الأصناف كذهب بفضة، أو تمر بشعير ونحو ذلك، فإنه يجوز التفاضل إذا كان يداً بيد.
ومن الأدلة على تحريم هذا القسم: حديث أبي سعيد قال: “جاء بلال بتمر بَرْنِي(9)، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “من أين هذا؟” فقال بلال: كان عندنا تمر رديء، فبعت منه صاعين بصاع ليطعم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: “أوّه أوّه (كلمة تقال عند التوجع) عين الربا، عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري فَبِع التمر ببيعٍ آخر ثم اشتر به”(10).
والحديث نص على أن بيع التمر بالتمر متفاضلا ربا، وهو حرام.
وسيأتي في الحلقة القادمة إن شاء الله بيان الأجناس التي يجري فيها الربا.
وبالله التوفيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- سورة الحج: 5
(2)- الشرح الممتع (3/700).
(3)- توضيح الأحكام من بلوغ المرام (3/455).
(4)- سورة آل عمران: 130.
(5)- أخرجه مسلم.
(6)- أنظر الزيادة وأثرها في المعاوضات المالية، لعبد الرؤوف بن محمد الكمالي (2/468).
(7)- أنظر فتاوى اللجنة الدائمة (13/330).
(8)- أنظر فقه البيوع لمحمد صفوت نور الدين (ص:90).
(9)- بَرْنِي: ضرب من التمر معروف، قيل له ذلك لأن كل تمرة تشبه البرنية، والبرنية: إناء من خزف (أنظر فتح الباري: 4/490).
(10)- متفق عليه، واللفظ للبخاري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *