مقارنة بين التشريع السماوي والقانون الوضعي الحلقة الخامسة والأربعون ناصر أحمد عبد الغفور

القانون الوضعي تغلب عليه سمات الجور والظلم واتباع الهوى لأنه من وضع الإنسان الذي وصفه خالقه سبحانه بقوله: “إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً” الأحزاب:72.. الإنسان يتصف بصفات النقص من سهو وغفلة ونسيان؛ قد تشتبه عليه الأمور فيرى الحق باطلا والباطل حقا.
فمهما سمى فكره ونضج عقله فإن صفات النقص لازمة له.
وهذه القوانين الوضعية هي من نتاج عقل هذا الإنسان والعقل كما يقول العلماء لا يمكن أن يستقل بمعرفة الحق والهدى إلا إذا خضع للشرع فأبصر بنوره فالشرع قاض وهو بالنسبة للعقل كالنور بالنسبة للعين فكما أن العين لا يمكن أن ترى إلا بنور فكذلك العقل لا يمكن أن يبصر ويهتدي إلا بنور الوحي، ولو كانت العقول تستقل بمعرفة الحق والصواب لما أنزل الله كتبه ولا أرسل رسله ولو كان العقل يدرك كل مطلوب لاستغنى الخلق عن الوحي والنبوات.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “العقل شرط في معرفة الأمور والعلوم وكمال وصلاح الأعمال وبه يكمل العلم والعمل، لكنه ليس مستقلا بذلك لأنه غريزة في النفس وقوة فيها بمنزلة نور البصر التي في العين فإن اتصل به أمر الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس والنار وإذا انفرد بنفسه لا يبصر الأمور التي يعجز وحده عن إدراكها…” .
فإذا عُلم أن العقل لا يمكن أن يستقل بنفسه فلا بد أن يكون هذا القانون الذي هو نتيجة إعمال هذا العقل أقرب إلى الضلال من الهدى وأقرب إلى الظلم من العدل وأقرب إلى الهوى من الرشاد..
يقول العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى: “..فلا ثم إلا حكم الله ورسوله أو حكم الجاهلية، فمن أعرض عن الأول ابتلي بالثاني المبني على الجهل والظلم والبغي ولهذا أضافه للجاهلية، وأما حكم الله تعالى فمبني على العلم والعدل والقسط والنور والهدى، “وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ” المائدة:50، فالموقن هو الذي يعرف الفرق بين الحكمين ويميز بإيقانه ما في حكم الله من الحسن والبهاء وأنه يتعين عقلا وشرعا إتباعه” .

3- التشريع السماوي تشريع عام ينظم معاملات الإنسان بجميع أشكالها وفي جميع مجالاتها، فهو يشمل أحكام تعامل الإنسان مع خالقه سبحانه وما يتعلق بأصول الاعتقاد وأنواع العبادات، وكذلك أحكام تعامله مع نفسه وإخوانه ومجتمعه بل أحكام تعامله مع أهل الكفر والأعداء.
فهو تشريع يتناول أمور العقيدة والعبادة، وجميع أنواع المعاملات المالية والاجتماعية والسياسية والجنائية والسلوكية. إذن فهو نظام شمولي يحقق للإنسان سعادة الدنيا والآخرة ويحفظ حق الفرد والمجتمع، ويقيم بناء الإنسان والدولة وبالتالي فهو أكبر ضمان حقيقي لحفظ حقوق الناس وحرياتهم ومنع أي تعد على أموالهم وأعراضهم ودمائهم.
أما القانون الوضعي فهو جزئي لا يتناول إلا جزءا من نظم الحياة وهو ما يتعلق بالمعاملات المدنية في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية التي تقوم عليها سلطة الدولة. وبالتالي فهو قانون لا يمكن أن يقيم بناء الإنسان والدولة البناء الحقيقي وأن يضمن كل الحقوق لأنه لا يشمل أعظم وأهم عنصر ألا وهو عنصر العقيدة التي تربي الوازع الديني في النفوس.

4- التشريع السماوي إيجابي يأمر وينهى بخلاف القانون الوضعي:
و ذلك لأن التشريع السماوي يأمر بالمعروف بكل أنواعه ويرغب فيه عن طريق الوعد الحسن والجزاء الجزيل فيكون بذلك تشريعا إيجابيا، كما أنه ينهى عن المنكر بكل أشكاله عن طريق الترهيب والوعيد المخيف، كما في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً” النساء:29-30.
أما القانون الوضعي فيكتفي بالنهي عن الأذى درءا للمفاسد في المجتمع وإذا دعا إلى الخير فإن ذلك يكون تبعا لا قصدا، ولهذا فهو سلبي.
ومن أمثلة ذلك النهي عن جرائم القتل وترويج المخدرات وسرقه أموال الناس وذلك درءا للمفاسد داخل المجتمع، ولا تكاد تجد قانونا يأمر بالخير والصلاح إلا تبعا.
يتبع إن شاء الله تعالى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *