آيات تفهم على غير وجهها إبراهيم الصغير

– قوله تعالى: {رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ}(33).
(مسحا): اختلف فيها هل هي المسح على حقيقته أم القتل؟
قال الطبري: وقوله (فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ) يقول: فجعل يمسح منها السوق، وهي جمع الساق، والأعناق.
واختلف أهل التأويل في معنى مسح سليمان بسوق هذه الخيل الجياد وأعناقها، فقال بعضهم: معنى ذلك أنه عقرها وضرب أعناقها، من قولهم: مَسَحَ علاوته: إذا ضرب عنقه.
وقال آخرون: بل جعل يمسح أعرافها وعراقيبها بيده حُبًّا لها.
قال البغوي: والمراد بالمسح: القطع، فجعل يضرب سوقها وأعناقها بالسيف، هذا قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، ومقاتل، وأكثر المفسرين وكان ذلك مباحا له، لأن نبي الله لم يكن يقدم على محرم، ولم يكن يتوب عن ذنب بذنب آخر.
وقال محمد بن إسحاق: لم يعنفه الله على عقر الخيل إذا كان ذلك أسفا على ما فاته من فريضة ربه عز وجل.
وقال بعضهم: إنه ذبحها ذبحا وتصدق بلحومها، وكان الذبح على ذلك الوجه مباحا في شريعته.
وقال قوم: معناه أنه حبسها في سبيل الله، وكوى سوقها وأعناقها بكي الصدقة.
وقال الزهري، وابن كيسان: إنه كان يمسح سوقها وأعناقها بيده، يكشف الغبار عنها حبا لها وشفقة عليها، وهذا قول ضعيف والمشهور هو الأول.

– قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ}(34).
(جسدا): يتبادر إلى الذهن أنه جسد امرأة بينما هو شيطان تمثل بصورة سليمان وجلس على كرسيه.
قال ابن كثير: (وألقينا على كرسيه جسدا) قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم يعني شيطانا.
قال العلامة السعدي:{وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا}أي: شيطانا قضى الله وقدر أن يجلس على كرسي ملكه، ويتصرف في الملك في مدة فتنة سليمان.
قال البغوي: وأشهر الأقاويل أن الجسد الذي ألقي على كرسيه هو صخر الجني.

– قوله تعالى: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(39).
قال الطبري: اختلف أهل التأويل في المشار إليه بقوله (هَذَا) من العطاء، وأيّ عطاء أريد بقوله: عَطاؤنا، فقال بعضهم: عني به الملك الذي أعطاه الله، قاله الضحاك و قتادة و الحسن.
وقال آخرون: بل عَنَى بذلك تسخيره له الشياطين، وقالوا: ومعنى الكلام: هذا الذي أعطيناك من كلّ بنّاء وغوّاص من الشياطين، وغيرهم عطاؤنا، و روي عن قتادة.
وقال آخرون: بل ذلك ما كان أوتي من القوّة على الجماع، قاله ابن عباس.
قال-رحمه الله-: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب القولُ الذي ذكرناه عن الحسن والضحاك من أنه عني بالعطاء ما أعطاه من الملك تعالى ذكره.

– قوله تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ}(45).
كلمتا (الأيدي والأبصار) تشكلان في الفهم وتفهمان على غير وجههما.
قال الطبري: وقوله (أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ) ويعني بالأيدي: القوّة، يقول: أهل القوّة على عبادة الله وطاعته. ويعني بالأبصار: أنهم أهل أبصار القلوب، يعني به: أولى العقول للحقّ.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم في ذلك نحوًا مما قلنا فيه.
قال القرطبي: (أولي الأيدي والأبصار) قال النحاس: أما (الأبصار) فمتفق على تأويلها أنها البصائر في الدين والعلم. وأما(الأيدي) فمختلف في تأويلها، فأهل التفسير يقولون: إنها القوة في الدين. وقوم يقولون:( الأيدي) جمع يد وهي النعمة، أي هم أصحاب النعم، أي الذين أنعم الله عز وجل عليهم. وقيل: هم أصحاب النعم والإحسان، لأنهم قد أحسنوا وقدموا خيرا. وهذا اختيار الطبري.

– قوله تعالى: {إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ}(81).
(المعلوم) تشكل في الفهم.
نظير ذلك قوله تعالى في سورة الحجر:{قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ، إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ}.
قال القرطبي: قال ابن عباس: (أراد به النفخة الأولى)، أي حين تموت الخلائق. وقيل: الوقت المعلوم الذي استأثر الله بعلمه، ويجهله إبليس. فيموت إبليس ثم يبعث.
قال العلامة بن عاشور: وعبر عن يوم البعث ب يوم الوقت المعلوم تفننا تفاديا من إعادة اللفظ قضاء لحق حسن النظم، ولما فيه من التعليم بأن الله يعلم ذلك الأجل. فالمراد: المعلوم لدينا.
ويجوز أن يراد المعلوم للناس أيضا علما إجماليا.
وفيه تعريض بأن من لم يؤمنوا بذلك اليوم من الناس لا يعبأ بهم فهم كالعدم.
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي: وأكثر العلماء يقولون: المراد به وقت النفخة الأولى، والعلم عند الله تعالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *