في ظلال آية “وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ” أبو يونس محمد الفرعيني

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
قال تعالى: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (الفجر:1-2).
قال ابن كثير: والليالي العشر: المراد بها عشر ذي الحجة. كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف.
وهذه العشر لها فضائل كثيرة؛ فهي الأيام التي أقسم الله عز وجل بها في كتابه الكريم. وهي أفضل أيام الدنيا؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أفضل أيام الدنيا أيام العشر”. (رواه البزار وهو في صحيح الجامع 1133).‌‏
قال الحافظ في الفتح: (والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره).
ومن فضائلها أن فيها يوم النحر ويوم القَرِّ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر”. (رواه أحمد وأبو داود وهو في صحيح الجامع رقم 1094).
يوم القر: هو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة، وسمي بذلك لأن الناس يقرّون فيه بِمِنًى.
ومن فضائلها أن الله أكمل فيها لأهل الإسلام دينهم؛ قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (المائدة:3). نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة.
فينبغي على كل مسلم أن ينقب عن النقص في عبادته وخلقه ليستكمله ويتمه كما أتم الله لنا هذا الدين في هذه الأيام. فإن رجلا من اليهود ممن علم قدر هذه الآية قال لعمر: لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا.
ومن فضائلها أن الله شرع الإكثار من الذكر فيها؛ قال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (الحـج:27).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: “هي أيام العشر”. وقال ابن رجب: وجمهور العلماء على أن هذه الأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة. وكذا قال الشافعي رحمه الله.
ومن فضائلها أن العمل الصالح فيها لا يعدله عمل في غيرها من الأيام؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما العمل في أيامٍ أفضل منها في هذه”، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: “ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيءٍ”. (رواه البخاري 969 من حديث ابن عباس).
وقد فضلها بعض العلماء على أيام العشر الأواخر من رمضان، ونوزع في ذلك. وقال شيخ الإسلام: أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة. (مجموع الفتاوى 25/287).
ومن الأعمال التي تشرع في هذه الأيام:
1 – التوبة إلى الله تعالى من جميع الذنوب. قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النـور:31).
2 – الذكر والتكبير. كما تقدم؛ وقد كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما. وكذلك يشرع الاستغفار وتلاوة القرآن. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً، وعذر أهلها في حال العذر، غير الذكر، فإن الله لم يجعل له حداً ينتهي إليه، ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على عقله. اهـ
3 – الحج والعمرة. قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (الحـج:27-28).
4 – الصيـام. يستحب صوم هذه الأيام لعموم حديث ابن عباس: “ما العمل في أيامٍ أفضل منها في هذه”، فإن فيه دليلا على أن كل عمل صالح في هذه الأيام فهو أفضل منه في غيرها، وأن جميع الأعمال الصالحة يضاعف ثوابها في العشر من غير استثناء شيء منها، والصوم داخل في العمل الصالح.
ويتأكد صيام يوم عرفة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يكفر السنة الماضية والباقية”. (مسلم:1162). وفي رواية: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله”.
5 – قيام الليل. فيستحب قيام هذه الليالي لمن وفق؛ لأن اليوم يشمل النهار والليل، فكما أن الله يضاعف أجر عمل النهار فكذلك يضاعف أجر عمل الليل. وأجل أعمال الليل القيام. قال ابن رجب في لطائف المعارف (ص: 462): وأما قيام الليالي العشر فمستحب، واستحبه الشافعي وغيره من العلماء.
6 – صلة الرحم. فإنها من أفضل الأعمال، ومن أسباب دخول الجنة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام”. (رواه أحمد وابن ماجه وهو في صحيح الجامع رقم 7865).
وقس على ذلك سائر الطاعات والقربات، وينبغي لمن عزم على أن يضحي أن لا يقص أظفاره ولا يأخذ من شعره شيئا حتى يضحي ليبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار. والحمد لله رب العالمين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *