القارئ الثالث أبو عمرو البصري الشيخ محمد برعيش

هو أبو عمرو البصري أحد القراء السبعة، اشتهر بكنيته، وأما اسمه فقد اختلف فيه على أحد وعشرين قولا(1)، فقيل العريان، وقيل محبوب، وقيل جنيد، وقيل عيينة، وقيل عثمان، وقيل جَزْء، والأشهر أن اسمه: زَبَّان(2) بن العلاء بن عمار بن العريان بن عبد الله المازني البصري.

وقيل: (..ابن العلاء بن عمار بن عبد الله بن الحصين بن الحارث بن جلهم بن خزاعي بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم التميمي ثم المازني).
وسبب الاختلاف في اسمه قيل: إنه كان لجلالته لا يسأل عنه(2).
الإمام المقرئ النحوي، مقرئ أهل البصرة، ولد بالحجاز سنة ثمان ستين، وسكن البصرة فنسب إليها.
كان أعلم الناس بالقرآن والعربية مع الثقة والأمانة والدين(3).
أخذ القراءة عرضا وسماعا للحروف عن جماعة(4)، ذكر الحافظ منهم حميد بن قيس الأعرج، ويحيى بن يعمر، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وعبد الله بن كثير.
روى الحديث عن أبيه وأنس بن مالك والحسن البصري وابن سيرين ونافع مولى بن عمر وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وأبي رجاء العطاردي وغيرهم.

الآخذون القراءة عنه
قرأ عليه عبد الوارث بن سعيد، وحماد بن زيد، ومعاذ بن معاذ، وهارون الأعور، ويونس بن حبيب النحوي، ويحيى بن المبارك اليزيدي، وأبو بحر البكراوي، وخارجة بن مصعب، وعبد الوهاب بن عطاء، وغيرهم(5).
وروى الحديث عنه جماعة منهم أخوه معاذ بن العلاء، وشعبة، وحماد بن زيد، وشريك النخعي، ومعمر بن راشد، ووكيع، وهارون بن موسى النحوي الأعور، والأصمعي، وعبيد بن عقيل، وشبابة، وأبو أسامة، وأبو زيد سعيد بن أوس، وآخرون(5).
وأخذ عنه الأدب وغيره أبو عبيد والأصمعي وخلق(6).

ثناء العلماء عليه
قال أبو عمر الشيباني: ما رأينا مثل أبي عمرو بن العلاء(7).
وقال أبو عبيدة: كان أبو عمرو أعلم الناس بالقرآن، والعربية، والعرب وأيامها، والشعر(7).
وقال أبو بكر بن مجاهد: كان أبو عمرو مقدما في عصره، عالما بالقراءة ووجوهها، قدوة في العلم واللغة، إمام الناس في العربية، وكان مع عمله باللغة وفققه بالعربية متمسكا بالآثار لا يكاد يخالف في اختياره ما جاء عن الأئمة قبله..(7).
وقد مدحه الفرزدق في بيت قائلا(7):
مازلت أفتح أبوابا وأغلقها *** حتى رأيت أبا عمرو بن عمَّار

ثناء العلماء على قراءته
أخرج ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 1/142 عن نصر بن علي قال: أخبرني أبي، قال: سمعت شعبة يقول: أكتب قراءة أبي عمرو بن العلاء فستصير إسناداً.
قال ابن الجزري وقد صحَّ ما قاله شعبة رحمه الله تعالى، فالقراءة التي عليها الناس اليوم بالشام والحجاز واليمن ومصر هي قراءة أبي عمرو، فلا تجد أحدا يلقن القرآن إلا على حرفه، خاصة في الفَرْش(8).
وقال أحمد بن حنبل قراءة أبي عمرو أحب القراءات إليّ(9).

كلماته النافعة
قال: إنما نحن فيمن مضى كبقل في أصول نخل طوال.
وقال ابن المناذر: سألت أبا عمرو بن العلاء حتى متى يحسن بالمرء أن يتعلم؟ فقال: ما دام تحسن به الحياة.
وروى ياقوت الحموي في معجم الأدباء: أن أبا عمرو بن العلاء كان يقول لعلم العربية هو الدين بعينه، فبلغ ذلك عبد الله بن المبارك، فقال: صدق، لأني رأيت النصارى قد عبدوا المسيح لجهلهم بذلك، قال الله تعالى في الإنجيل: “أنَا ولَّدتُك من مَريم وأنت نبيي، فحسبوه يقول: أنا ولَدتُك وأنت بُنَيّي”، فبتخفيف اللام وتقديم الباء وتعويض الضمة بالفتحة كفروا. اهـ
وكان قد نقش خاتمه ببيت شعري فيه:
وإن امرأ دنياه أكبر همه *** لمستمسك منها بحبل غرور

مواقفه
أخرج الخطيب في تاريخ بغداد 12/174 عن الأصمعي قال: جاء عمرو بن عبيد(10) إلى أبي عمرو بن العلاء، فقال: يا أبا عمرو يُخلف الله وعده؟ قال: لا، قال: أفرأيت إن وَعَده على عمل عِقابا، يخلف وعده؟ فقال أبو عمرو بن العلاء: من العجمة أُتِيت يا أبا عثمان، إن الوعد غير الوعيد، إن العرب لا تعدُّ خلفا ولا عارا أن تَعِد شرًّا ثم لا تفعله، ترى أن ذاك كرما وفضلا، إنما الخلف أن تَعِد خيرا ثم لا تفعله، قال: فأوجدني هذا في كلام العرب، قال: أما سمعت إلى قول الأول:
ولا يَرْهَبُ ابنُ العَمِّ مَا عِشْتُ صَوْلتي … ولا أخْتَشي من خَشيَة المتَهَدِّدِ
وإني إذا أوْعَدْتُه أو وَعَدْتُه … لَمُخْلِفُ إيعادي ومُنْجِزُ مَوْعِدي
إلى هنا انتهت هذه الحلقة وفي العدد القادم إن شاء الله تعالى سنذكر إسناد قراءة أبي عمرو البصري.
والله الموفق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- وذهب الأصمعي وعمر بن شبة والبخاري وغيرهم إلى أن اسمه كنيته.
2- بغية الوعاة للسيوطي 2/231.
3- شرح طيبة النشر ص:8.
4- البلغة في تراجم أئمة اللغة.
5- التهذيب 6/417، سير أعلام النبلاء 6/407.
6- بغية الوعاة 2/231.
7- التهذيب 6/417.
8- غاية النهاية في طبقات القراء 1/128.
9- تراجم القراء 1/12.
10- القدري الضال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *